إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٧٨
فعلها بعد الركوع في الأحاديث المذكورة ليس بعام أصولي فيكون ما ذكره الناصب أجنبيا خارجا عن المبحث من هذه الجهة أيضا وأما ما تعجبه الناصب من استدلال المصنف بأحاديث أهل السنة فقد مر مرارا أنه إنما أتى بذلك لإلزام الخصم وإلا فلهم من الأحاديث المروية بطريق أهل البيت عليهم السلام أضعاف ما في صحاح أهل السنة وأما ما ذكره من أنه لم يستوعب الأخبار ففيه أنه استوعبها ولكن لم يذكرها ههنا لأنه لم يرها دليلا على ما ذهب إليه الخصم مخالفا لما ذهب إليه الإمامية كما بيناه وأما ما ذكره من أن أبا حنيفة قايل بوجوب قنوت الوتر أبدا فما ذكره المصنف أن القنوت عند أبي حنيفة بدعة باطل اه فباطل لأن كلام المصنف ههنا في قنوت الصلاة الواجبة والوتر عنده سنة فبالنظر إليها أطلق كون القنوت عند أبي حنيفة بدعة ومكروها و الدليل على ذلك أنه جعل رواية الحميدي المشتمل على ذكر القنوت في صلاة الغداة قبل الركوع حجة على كل من الحنفي والشافعي فإن فعله (ص) القنوت في صلاة الغداة حجة على أبي حنيفة وفعله قبل الركوع حجة على الشافعي وهذا الناصب لم يتعرض لما هو مناط إيراد المصنف على أبي حنيفة لعجزه عن التقصي عنه و وطار إلى ناحية أخرى لم يقصدها المصنف كما عرفت هذا والذي ظهر لي من مطالعة شرح الينابيع للأنصاري الشافعي أن حجة القوم على ما ذهبوا إليه في هذ المقام ليس الأحاديث المذكورة في الحقيقة بل معتمدهم فيما ذهبوا إليه مخالفة الشيعة حيث قال وحكى أبو الفضل بن عيدان عن أبي علي بن أبي هريرة أن المستحب ترك القنوت في صلاة الصبح إذ صار شعار قوم من الشيعة لأن الاشتغال به تعرض للتهمة انتهى ويؤيد اتجاه تشنيع المصنف عليهم في هذا المقام ما ذكره ابن حزم الأندلسي من أهل سنتهم وجماعتهم حيث قال بعد نقل الأقوال في القنوت أما قول أبي حنيفة فما وجدنا عن أحد من الصحابة ينهى عن القنوت في شئ سوى الوتر وكذلك قول مالك في تخصيصه الصبح خاصة بالقنوت ما وجدناه عن أحد من الصحابة وكذلك تفريق الشافعي بين القنوت في الصبح والقنوت في ساير الصلوات وهذا مما خالفوا فيه كل شئ روى في هذا الباب عن الصحابة رض انتهى قال المصنف رفع الله درجته لو ذهبت الإمامية إلى أن الوتر مستحب وليس واجبا وقال أبو حنيفة أنه فرض قال حماد بن زيد قلت لأبي حنيفة كم الصلوات قال خمس قلت فالوتر قال قلت كم الصلوات قال خمس قلت فالوتر قال فرض قلت لا أدري أتغلظ في الجملة أو في التفصيل وقد خالف في ذلك التواتر المعلوم من دين النبي (ص) أن الصلوات خمس وجاء أعرابي إلى النبي (ص) فسأله عن الإسلام فقال خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل على غيرها قال لا إلا أن تتطوع ثم سأله عن الصدقة فقال الزكاة فقال هل على غيرها قال لا إلا أن تتطوع ثم سأله عن الصوم فقال شهر رمضان فقال هل على غيره قال لا إلا أن تتطوع فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال النبي (ص) أفلج أن صدق انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن الوتر سنة مؤكدة ليست بواجبة إما أنها سنة مؤكدة فللأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة في الوتر منها ما روى البخاري ومسلم والنسائي والترمذي في صحاحهم عن ابن عمر أنه قال قال رسول الله (ص) صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى وقال الوتر ركعة من آخر الليل وروى البخاري و مسلم والنسائي عن ابن عمر قال قال رسول الله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وعنه عن النبي (ص) أنه قال بادروا الصبح بالوتر وروى البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة أنها قالت كل الليل أوتر رسول الله (ص) من أول الليل وأوسطه وآخره فهذه الأحاديث دلت على كون الوتر سنة مؤكدة وأما عدم وجوبه فلما روى الترمذي عن خارجة بن حذافة قال خرج علينا رسول الله (ص) فقال إن الله تعالى أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم الوتر جعل الله فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر وقال من نام عن وتره فليصل إذا أصبح وهذا يدل على عدم وجوبه لأنه أذن في تركه بالليل والوتر إنما يكون بالليل وللاجماع على أن الفرايض المكتوبة خمس ومذهب أبي حنيفة أن ا لوتر ثلث ركعات وجبت فالوتر واجب عنده والدليل على وجوبه عنده ما روى مسلم والنسائي في صحيحهما عن أبي أيوب قال قال رسول الله (ص) الوتر حق على كل مسلم فمن أجب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل وروى مسلم والنسائي والترمذي عن أبي أيوب أنه قال قال رسول الله أن الله تعالى يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن ويقتضي الأمر الوجوب ولما كان الدليل خير الآحاد كان واجبا لا فرضا والجواب عن الاجماع أن الاجماع على انحصار الفرايض في الخمس وهذا واجب لا فرض وأما ما نقل عن حماد فهو باطل وافتراء لأن أبا حنيفة لم يقل بأن الوتر فرض ولو فرضنا أنه قال منكوته يدل على الصواب فإن المراد أن المجمع عليه من الفرايض خمس وجاهله كافر بخلاف الوتر وأما ما ذكر من الحديث فلا دلالة له على انحصار الفرايض لأن الحج والصوم لم يذكرا فيه انتهى وأقول يتوجه عليه أولا أنه لا طايل في إظهار موافقة الشافعي للإمامية وإطالة الكلام بذكر الأحاديث التي تمسك بها الشافعي نعم لو كان تلك الأحاديث صحيحة عند الإمامية لكان لها جدوى تعاضد الأدلة وليس ثانيا أن الحديث الأول مما استدل به أبو حنيفة قد رده المصنف قدس سره في كتاب المنتهى بأنه لا يدل على الوجوب إذا لحق نقبض الباطل وذلك لا يستلزم الوجوب وبعبارة أخرى الحق أعم من الوجوب ولا دلالة للعام على الخاص ومع هذا يعارضه ما روى صاحب الينابيع من قول النبي (ص) الوتر حق مسنون انتهى وأيضا فلو كان واجبا لما تطرقت إليه الزيادة ولا النقصان كغيره من الواجبات وهذا الحديث يدل على الزيادة والنقصان فلا يكون واجبا بل يدفع ما ذهب إليه أبو حنيفة من تعيين الركعات الثلث وأقول في دفع الاستدلال بالحديث الثاني إن قوله (ص) يجب الوتر دليل على أن الأمر للاستحباب دون الوجوب سيما إذا لو حظ معه الأحاديث الصريحة في الاستحباب فافهم وثالثا أن جوابه عن استدلال المصنف بالإجماع من أعجب العجاب لأن هذا الناصب قد استدل به بعينه قبيل ذلك عند تقرير مذهب الشافعي فكيف يدفعه عند استدلال المصنف به وهل هذا إلا مثل ما قيل فيه شعر لا تنه عن خلق وتأتي مثله - عار عليك إذا فعلت عظيم - على أن هذا الاجماع قد انعقد قبل أبي حنيفة والفرق بين الفرض والواجب اصطلاح حادث من أبي حنيفة وأصحابه فكيف يتجه
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»