إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٧٥
ثم كلوا فيها وقد أشار بعض شارحي النجاري إلى ورود ما في معناه من طرق أخرى أيضا وتقييد كل ذلك بما إذا لاقوها بالنجاسة نظرا إلى أن الغالب مباشرتها يدفعه إطلاق اللفظ المعتضد بالاحتياط والحاصل إن ما ذهب إليه الفقهاء الأربعة مردود من وجوه أما أولا فلأن بعض تأويلاتهم يقتضي الاضمار في الآية بأن يصير التقدير وإنما المشركون ذو نجاسة وهو على خلاف الأصل فلا يصار إليه بدون القرينة وأما ثانيا فلاستلزام ما ذهبوا إليه حمل النجاسة على خلاف ما يتبادر منه كما مر وأما ثالثا فلكونه مخالفا لما سبق من حديث أبي ثعلبة ونحوه مما حكموا بصحته وأما رابعا فلأن ما قالوا من أن نجاستهم بواسطة عدم تجنبهم من النجاسة مردود بأن الله تعالى رتب الحكم بالنجاسة على إشراكهم وترتب الحكم على المشتق يدل على أن المشتق منه علة لذلك الحكم فالاشراك علة للنجاسة لا غيره ويلزم من هذا أن لا يزول نجاستهم ما داموا مشركين لأن المعلول لا ينفك عن العلة إن قلت أن حمل النجاسة في الآية على العينية ينافي عموم قوله تعالى اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكن الآية فإن الجمع المعروف باللام يفيد العموم فجميع الطيبات يكون حلالا وكذا ما عطف عليه وهو طعام أهل الكتاب قلنا لا نم عمومه لأن المراد بالطيب على قولهم ما استطابته النفس وليس كل ما استطابته النفس حلالا فلا يكون هو المراد فيكون الآية أيضا مما دخله التخصيص لاختصاصها بالحلال فيكون من باب عطف الخاص على الخاص و وإنما عطف الخاص الثاني على الخاص الأول إزالة لاحتمال الالتباس إذ كان مظنة أن يتوهم أنه ليس من الطيبات فأزال ذلك الوهم بعطفه عليه وأيضا نحن قد استدللنا على وجوب التسمية عند إرسال آلة الصيد وعند الذبيحة وإن من تركها لا يحل ذبيحته وكل من قال بذلك قال بتحريم ذبايح أهل الكتاب وإن قوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب مخصص فلو قلنا بوجوب التسمية عند إرسال آلة الصيد ولم نقل بتحريم ذبايح أهل الكتاب و بتخصيص طعام الذين أوتوا الكتاب كان خرقا للإجماع هذا كله على تقدير تسليم العطف ولك أن تقول لا نم أن الواو في قوله وطعام الذين أوتوا الكتاب عاطفة للطعام على الطيبات بل هي للاستيناف ولو أراد العطف لقال وطعام الذين أوتوا الكتاب واقتصر ولم يذكر قوله حل لكم لا يقال يكفينا في الاستدلال على حلية طعام أهل الكتاب أخبار الله تعالى بأنه حل لكم ولا يهمنا الاستدلال عليه بكونه عطفا على سابقه لأنا نقول ليس كذلك لأن الطعام ليس عاما أصوليا فجاز أن يكون المراد منه بعض الأفراد كالحبوبات كما ذكره الخصم إن قلت أنه مفرد مضاف فيعم قلت هذا خلاف ما عليه المحققون من علماء الأصول ثم اعلم أن فخر الدين الرازي قد ذكر أن للآية توجيها رابعا دل على ما ذهب إليه الفقهاء الأربعة مما تقدم ذكره و حاصله أن النجس مصدر يحتاج حمله على المشركين إلى تقدير ذو فالمراد إنما المشركون ذو نجاسة و ح لا يدل على النجاسة العيينة كما في قولنا هذا الثوب ذو نجاسة فإن مفاده النجاسة العارضة وأقول فيه نظر لأنا لا نسلم كونه مصدرا بل هو صفة مشبهة بالنجاسة العينية كما يقتضيه مقام الذم ولو سلم فلا نسلم أن مفاد قولنا هذا ذو نجاسة عروض النجاسة له بل مفاده على ما ذكرنا من أن النجاسة حقيقة في العينية هو أن عينه نجس غاية الأمر أنه لما علم من خارج أن ذات الثوب وأجزاؤه ليسا من الأعيان النجسة ينصرف الذهن إلى النجاسة العارضة ولهذا لو أطلق فيما لم يعلم عروض نجاسته أو عينية لم يفهم منه إلا العينية نظير ذلك أن سيد المحققين قدس سره الشريف صرح في حاشية شرح الرسالة بأن كلمة في قولنا المقدمة يجب أن يعلم في المنطق يقتضي جزئيته المقدمة المنطق وأورد عليه بأن ذلك إنما يلزم أن لو تعلق الجار والمجرور بقوله يعلم لا بقوله يجب فلو تعلق به كان مثل قولنا الطهارة واجبة في الصلاة مع أن الطهارة ليست جزء من ها وأجيب بأن المدار على المحافظة على الظاهر ولا شك أن قولنا يجب أن يعلم فيه يقتضي الجزئية بحسب الظاهر وقولهم يجب الطهارة في الصلاة إن حمل على الظاهر من غير تقدير يلزم منه جزئية الطهارة للصلاة غاية الأمر أن اشتهار كون الطهارة شرطا لتحقق الصلاة خارجا عنه يمنع عن فهم الجزئية هذا وبما فصلنا ظهر سقوط ما توهمه الناصب من أن المصنف اعتقد أن نجاسة المشرك حكمية ومع ذلك قاسه على النجاسة العينية وكذا ما توهمه من أن المصنف استدل بالقياس مع منعه منه وبالجملة ما ذكره وهم على وهم وأما ما ذكره في وجه تجويز الدخول بالإذن فهو أوهن من نسج العنكبوت ولا يأذن بإظهاره سوى الممر والمبهوت قال المصنف رفع الله درجته لد ذهبت الإمامية إلى أنه لا يحرم قضاء الفرايض في شئ من الأوقاف وقال أبو حنيفة يحرم في الأوقات الخمسة وقد خالف في ذلك العقل والنقل أما العقل فلأن بعض هذه الأوقات صالح للأداء فيكون صالحا للقضاء لمساواته إياه ولأن المبادرة إلى فعل الطاعة والمسارعة إليها وإبراء الذمة وإسقاط ما شغلها أمر مطلوب للشارع فإن الإنسان في معرض الحوادث فربما أدركه الموت قبل القضاء فيكون مؤاخذا وأما النقل فعموم قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقول رسول الله (ص) من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها وقال يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس فلا شيئا يمنعن أحد أطاف بهذا البيت وصلى أي وقت شاء من ليل أو نهار انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يكره كراهة تحريم وتبطل صلاة لا سبب لها سبب أو لها متأخر عند طلوع الشمس حتى يرتفع قدر رمح وعند اصفرارها حتى يتم غروبها وعند الاستواء وهو نهاية ارتفاع الشمس حتى تزول أي تخط عن الارتفاع وبعد فريضة الصبح إلى طلوع الشمس وفريضة العصر إلى الغروب لا قبلهما والدليل على الكراهة السنة المشهورة وهي ما روى البخاري ومسلم والنسائي في صحاحهم عن رسول الله بإسنادهم أنه قال لا يتحرى أحدا فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها وفي رواية إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ولا تحينوا لصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني الشيطان وروى مسلم والنسائي والترمذي عن عقبة بن عامر ثلاث ساعات كان رسول الله (ص) ينهانا
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»