إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٧٣
يقوم ساكتا غير ذاكر وقد يخالف في ذلك العقل والنقل أما العقل فإن الذكر أنسب بالقراءة من السكوت وأما النقل فقوله (ع) المشهور إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليتوضأ كما أمر الله تعالى ثم ليكبر فإن كان معه شئ من القرآن قراء به وإن لم يكن معه فليحمد الله وليكبره والأمر يقتضي الوجوب انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه إن عجز عن تعلم الفاتحة أو ضاق الوقت يأتي بالذكر في الصلاة وذهب أبو حنيفة إلى السكوت واستدل عليه بوجوب القراءة وإذا تعذر الاتيان بالواجب لم يجز الاتيان بالبدل لا بنص من الشارع ولم يثبت النص فتعين السكوت و على هذا لم يلزمه مخالفة العقل ولا النقل أما العقل فلو فرضنا صحة حكمه فهو يدل على الاتيان بالأقرب ويعارضه توقيف البدل إلى صحة الدليل من النص وأما النقل فلم يصح الخبر عنده انتهى وأقول قدر الكلام في إنكار ثبوت النص وأنه لا وجه له فتوجه ومن العجب أن أبا حنيفة قد أثبت بقياسه الباطل واستحسان عقله الناقص الوفا مما حكم بوجوبها أو استحبابها من الأبدال والأمثال وههنا لا يجوز الاتيان بالبدل قياسا على نظايره وأي فرق بين ترجمة التكبير بدلا عنه وبين ترجمة الفاتحة بدلا عنه حتى جوز الترجمة في الأول ولم يجوزها في الثاني بل حكم بتعيين السكوت فالسكوت عن إصلاح ذلك أولى كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته ذهبت الإمامية إلى بطلان الوضوء بالماء المغصوب وخالف جميع الفقهاء فيه وقد خالفوا في ذلك العقل والنقل أما العقل فلقبح التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا والقبيح لا يقع مأمورا به والوضوء مأمور به فهذا ليس بوضوء معتبر في نظر الشرع فيبقى في عهدة التكليف وأما النقل فالمتواتر من الشرع المطهر على تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه و الحرام لا يقع عبادة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ما استدل به على بطلان الوضوء من العقل والنقل فباطل لأن الدليل أفاد قبح التصرف في مال الغير في العقلي وتحريم التصرف في مال الغير في النقلي وهذا تفسير الغصب ولا نزاع في أن الغصب حرام إنما الكلام في صحة الوضوء وعدمها والدليل لا يفيد البطلان لإمكان اشتمال الحلال والحرام إذا كان كل واحد منهما من جهة كما ذكرناه مرة في أصول الكلام ومرة في أصول الفقه و كذا الوضوء بالماء المغصوب والصلاة في الدار المغصوبة فصحته من جهة اشتماله على ما يجب مراعاته في صحته وحرمته من جهة كون الماء مغصوبا وهو مثل هذا الوضوء معتبر في نظر الشرع من حيث اشتماله على موجبات الصحة وقد بسطنا الكلام في هذه المسألة فيما مضى انتهى وأقول الدليل يفيد البطلان بضم مقدمة حقة مطوية في دليل المصنف وهو أن الماء المغصوب لا يرفع النجاسة الحكمية لاحتياجها إلى النية واحتياجها إلى القربة وهي لا تصح بالمغصوب وتحقيق القول في ذلك ما مرت الإشارة إليه سابقا في المباحث الأصولية ولنقرر الكلام فيه ههنا بعبارة أخرى ونقول أن الأصوليين وضعوا أصلا يفهم منه بطلان الوضوء بالماء المغصوب والصلاة في المكان المغصوب والثوب المغصوب وهو أن المنهي عنه إذا لم يكن جزء المأمورية لا لازما له بل المأمور جمع بينه وبين المأمور به باختياره من غير ضرورة تدعوه إجليه؟؟ صح منه ذلك الفعل المأمور به وكان طائعا في ذلك الفعل عاصيا في المنهي عنه كعبد أمره مولاه بخياطة ثوب ونهاه عن دخول دار فدخل الدار و خاط الثوب فيها عد طايعا بخياطة الثوب عاصيا بدخول الدار إما إذا كان جزءا أو لازما كما لو أمره بخياطة ثوب ونهى أن يخيط بخيوط غصبها أو أن يضم إليه وصلة سرقها فخاطه بتلك الخيوط أصم تلك الوصلة لم يصح منه ذلك الفعل إذا عرفت ذلك عرفتان أن الوضوء بالماء المغصوب من قبيل الثاني لأن استعمال الماء جزء الصلاة إذ لا تحقق لها بدونه وإن أبيت الجزئية فلا يسعك إباء الشرطية واللزوم أصلا فلا يصح الوضوء بالماء المغصوب قال المصنف رفع الله درجته لب ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز للجنب الاحتياز في المساجد عدا المسجدين وقال أبو حنيفة لا يجوزوا قد خالف في ذلك نص القرآن وهو قوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول استثناء غير المسجدين من رأيه وليس عليه دليل فإن العبور جايز مط في كل المساجد وأما ما ذكر أن أبا حنيفة خالف النص فهو غير وارد لأن الآية ليس نصا في المساجد بل أكثر المفسرين على أن معناه لا تقربوا الصلاة جنبا قبل الاغتسال إلا إذا كانوا مسافر فح يجوز لكم الصلاة قبل الاغتسال بالتيمم وقال بعضهم معناه لا تقربوا مواضع الصلاة جنبا إلا عابري سبيل فإن العبور لا بأس به وعلى هذا تخصيص المسجدين يحتاج إلى سنة مشهورة ولم يثبت ولا يلزم أبا حنيفة مخالفة النص لاحتماله معنى آخر انتهى وأقول ليس في كلام المصنف استثناء غير المسجدين كما توهمه الناصب إذ لا معنى لذلك كما لا يخفى بل فيه استثناء المسجدين بقوله غير المسجدين ونحن نعترف بأن هذا الاستثناء من رأيه واستنباطه من الآية وأحاديث أهل البيت عليهم السلام لكن إنما ذكره لأنه لو لم يذكره لكان كاذبا في الإخبار عن مذهب الإمامية بذلك على وجه الإطلاق لا لأنه أراد أن يجعله مناط الاثبات والنفي كما توهمه هذا الناصب المجبول على اعوجاج الفهم وأما وجه استنباط التخصيص من الآية فهو أن الظاهر أن عموم الاستثناء إنما هو في شمول الحكم المذكور لما عدا في شئ من المساجد على صفة الاستقرار وجواز الدخول بطريق الاجتياز فيها في الجملة ولا يلزم من ذلك جواز الدخول في جميعها بطريق الاجتياز لجواز أن لا يجوز الدخول في بعضها أصلا ففي الآية إشارة إلى التخصيص أيضا وهذا كما إذا قلت لا يحج الأمير إلا راكبا وما صليت في المسجد إلا يوم الجمعة فإن معنى الأول نفي الحج عن كل أمير على هذه الصفة لأن منهم من لا يحج أصلا ومعنى الثاني نفي الصلاة في شئ من المساجد في غير يوم الجمعة وإثباتها في بعضها في يوم الجمعة لا إثباتها في جميعها فيه لجواز أن لا يصلي في بعضها أصلا وكذلك قولك ما جاءني إلا عالمون وما جالست إلا علماء و أكرمت القوم إلا جهالا إلى غير ذلك كما لا يخفى على المتدرب والحاصل أن العموم المعتبر في الاستثناء ونظايره من صور التخصيص إنما هو في المفهوم لا في المنطوق مع أن عموم المفهوم أيضا مختلف فيه بين الأصوليين والملخص أن الآية ليست عامة كما فهمه الناصب موافقا لبعضهم
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»