إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٦٤
ويفطر النهار ويبدل ألفاظ القرآن بغيرهما مما هو في معناه ويقدم ألفاظه ويؤخر ما لم يفسد المعنى ويكتب المصحف كذلك ويقرء في الصلاة كذلك ويبدل الشرايع ونحن نبرء إلى الله تعالى من كل ذلك ومن أن نتعدى شيئا مما حده لنا رسوله (ص) ونحمد الله على الاقتداء بما جاء به النبي (ص) حمدا كثيرا ثم من العجب أنهم يعكسون القضية ويقلبون الحقيقة فيقولون إذا قال الشاهد أخبرك أو أعلمك بأني أعلم لهذا عند هذا دينار أنها ليست شهادة ولا يحكم بها حتى يقول أشهد فتأمل فإن الكفر فيهم طويل قال المصنف رفع الله درجته السابعة ذهبت الإمامية إلى استحباب التعوذ قبل القراءة في الركعة الأولى وقال مالك لا يستحب ولا يتعوذ في المكتوبة وخالف في ذلك قوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وفعل رسول الله (ص) فإنه كان يقول قبل القراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول التعوذ في صدر القراءة سنة عند الشافعي وغيره ومستحب عند مالك خارج الصلاة وأما داخل الصلاة فإن صح أنه لا يستحب التعوذ عنده فلأنه لم يصح عنده تعوذ النبي (ص) فلم يدخل في الصلاة ما لم يثبت دخوله فيها وأما الاستدلال بالنص فإنه أمر وارد ولا يتعين حمله على الوجوب بل لم يقل به أحد فمالك حمله على خارج الصلاة ولم يجعله من الصلاة لما ذكرنا فلا مخالفة للنص وفعل النبي (ص) فإنه لم يثبت عنده انتهى وأقول أن المصنف لم يقل أن الأمر حقيقة في الوجوب وكذا لم يقل أنه يتعين حمله ههنا على الوجوب بل صرح بالاستحباب وتحقيق الأصوليين في هذه المسألة لا يخرج عن الوجوب والاستحباب كما لا يخفى على من استشم رايحة من الأصول وإنكار ثبوت فعل الرسول (ص) مع تكراره مدة العمر في كل صلاة وشيوعه بين الأمة مكابرة كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته الثامنة ذهبت الإمامية إلى وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة وقال أبو حنيفة يجزي آية واحدة أو بعض آية من غيرها وقد خالف بذلك قوله ص المتواتر عند الجميع لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وقال لا صلاة لمن يقرء فاتحة الكتاب انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن قراءة فاتحة الكتاب ركن من أركان الصلاة و الفرض أن يقرأها في كل ركعة إلا في ركعة المسبوق ولو قرأ ترجمتها بلغة من لغات العرب أو بالعجمية عامدا بطلت صلاته وإن لم يحسن الفاتحة وعند أبي حنيفة إن فرض القراءة آية والمكتفي بها مسئ لترك الواجب وقراءة الفاتحة عنده واجبة وكذا ضم سورة فقد وافق في أن ترك الفاتحة موجب للإثم ولما لم يكن خبر الآحاد عنده من الدلايل القطعية وقوله ص لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب من خير الآحاد فلا يكون قطعيا حكم بعدم الفرضية فلا مخالفة للنص انتهى وأقول لا يخفى اختلاف كلامه وانحلال نظامه أما أولا فلأن الظاهر أن القول بوجوب قراءة الفاتحة المذكور في بعض كتب الحنفية كالوقاية والهداية ليس فتوى أبي حنيفة نفسه بل هو فتوى المتأخرين من أصحابه الهاربين عن تشنيع الطوايف عليهم في ذلك ولهذا قال أيضا فخر الدين الرازي في رسالته المعمولة لتفضيل مذهب الشافعي أنه يجوز عند الحنفية الصلاة بغير الفاتحة فتكذيب الناصب للمصنف ههنا تكذيب لإمامه الرازي والجواب الجواب وأما ثانيا فلأن المصنف قدس سره قد نسب أبا حنيفة إلى مخالفة الحديثين المذكورين وادعى تواترهما عند الجميع أو تواترهما أحد وهذا الناصب أغمض في مقام الرد عن الحديث الأول حيث لم يسعه منع تواتره ولو معنى واقتصر على رد الحديث الثاني بأنه من أخبار الآحاد وأما ثالثا فلأنا لو سلمنا أن الحديثين لا يقتضيان عنده الحكم بفرضية قراءة أم القرآن فما الذي اقتضى حكمه بإجزاء آية واحدة من أم القرآن أو بعض آية من غيرها ولم لا يجوز بعض آية منها أيضا إن قيل أنه استدل أبو حنيفة على ذلك بقوله تعالى اقرؤا ما تيسر من القرآن لكن الناصب جهله قلنا هذا مع أنه لا يدفع إجزاء بعض آية من أم القرآن يحتمل أنه أراد الفاتحة وما تيسر معها ويحتمل أنها نزلت قبل الفاتحة لأنها مكية وقال شارح الينابيع في جوابه أيضا أن قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر منسوخ وفي الحقيقة أنها وردت في قيام الليل لا في قدر القراءة ففي أول الإسلام وجب قيام الليل أما نصفه أو أقل منه أو أكثر منه بقوله قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه فأتى به النبي (ص) والذين معه سنة ثم نسخ بقوله في آخر السورة اقرؤوا ما تيسر من القرآن أي صلوا إطلاقا للجزء وإرادة للكل ثم نسخ ذلك بقوله فتهجد به نافلة لك أو نسخ بالصلاة ليلة الاسراء وقد علم من ذلك جواب آخر وهو أن اقرؤا بمعنى صلوا انتهى وقال ابن حزم ما تيسر من القرآن هو أم القرآن وإن من عمل بالحديث قد أخذ بالآية أيضا لأن أم القرآن مما تيسر من القرآن ومن عمل بجميع احتمالات الآية فقد خالف الحديث وأجاز صلاة أبطلها رسول الله وهذا لا يجوز لا سيما تقسيم أبي حنيفة بين إجازته قراءة آية طويلة أو ثلث آيات ومنعه مما دونها وهذا قول ما حفظ عن أحد قبله ولا على صحته دليل وهو خلاف للقرآن ولجميع الأثر انتهى كلامه وقال فخر الدين الرازي في رسالته المذكورة سابقا أيضا أنه يجوز أن يق إن كلمة ما في قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر منه إشارة إلى المعهود السابق كقول القائل رأيت ما رأيت أي ذلك الذي رأيت فكذا ههنا أي فاقرؤا ذلك الذي تيسر من القرآن والذي تيسر من القرآن للخاصة والعامة هو سورة الفاتحة فإنك لا ترى في الدنيا مسلما إلا ويحفظ سورة الفاتحة أما ساير السور فقد يحفظونها وقد لا يحفظونها فكان المراد ما ذكرنا ثم نقول سواء صح هذا المذهب أو فسد فإن أحدا من أهل الإسلام لا يصلح بغير الفاتحة ولا يصلى بكلمات يذكرها بالفارسية بل قد رأيت في بعض الحكايات أن خاقان سمرقند كان له وزير مجوسي في قلبه إلا أنه كان يطهر الإسلام على سبيل النفاق فاتفق أن قال للملك يوما يجب علينا أن؟؟؟ في تقرير مذهب أبي حنيفة وهو أن تأمر الناس بقراءة سورة الفاتحة بالفارسية وكان غرضه أن ينقل الناس من دين محمد (ص) إلى دين المجوس والاكتفاء بتعظيم الله باللسان الفارسي فعرض الملك ذلك الكلام على فقهاء الوقت وفيهم الشمس الحلوائي من أصحاب أبي حنيفة فأنكر ذلك أشد إنكار أو أفتى بحل دم ذلك الوزير فثبت أن مذهبهم في هذه المسألة مذهب مهجور ومتروك ولهذا السبب ترك أبو زيد الديوسي قول أبي حنيفة في هذه المسألة ولم يقل به أحد من أصحابه انتهى وأقول لا يخفى على الفطن العارف بدقايق الكلام
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»