إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٦٦
دون مخالفة أحد الأمرين من الفاتحة والتسبيح لأن جواز التسبيح في الأخيرتين إنما علم من روايات أهل البيت عليهم السلام كما أشرنا إليه وتلك الروايات مما لا يصير حجة على أبي حنيفة وإضرابهم بحسب اعتقادهم على أنه لا دلالة لرواية أبي قتادة على وجوب قراءة أم الكتاب في الأخيرتين أيضا ولعل من فهم ذلك منها إنما فهمه من قوله ويسمعنا الآية أحيانا وأنت خبير بأنه لا يدل على قراءته أم القرآن في جميع الأحيان فلا يدل على تعيين قراءة أم القرآن على الإطلاق وأما ما توهمه الناصب من مناقضة المصنف نفسه وأنه يلزمه أيضا مخالفة فعل النبي (ص) في تجويز التسبيح فمرفوع بما مر من أن أحاديث أهل البيت عليهم السلام أحاديث جدهم (ص) فلا يلزم المخالفة بل يتضح بذلك أن فعل النبي (ص) كان أحد الأمرين من الاتيان بالفاتحة والتسبيح وأما ما ذكره من أن أبا حنيفة يقرأ في الأخيرتين بالفاتحة فقط فإن أراد به أنه يوجب إلى القراءة في الأخيرتين فهو كذب ظ كما يدل عليه تتمة كلام الناصب أيضا وإن أراد بأنه يحكم بها استحبابا فمسلم لكنه لا يدفع المخالفة لأن النبي (ص) أتى بأحد الأمرين وجوبا ولم ينقل عن النبي (ص) ما ذهب إليه أبو حنيفة من جواز الاكتفاء بالسكوت فلو سكت الناصب عن إيراد هذه المموهات لكان خيرا له وكل ميسر لما خلق له قال المصنف رفع الله درجته يب ذهبت الإمامية إلى وجوب القراءة بالعربية وقال أبو حنيفة يجوز أن يقرأ بعض آية من أي موضع شاء من القرآن بالعربية وغيرها بأي لغة شاء وقد خالف بذلك قوله تعالى بلسان عربي مبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا فالقاري بغيرها لا يكون قاريا بالقرآن انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي وجوب القراءة بالعربي ولا يجزي الترجمة كما ذكرنا في الفاتحة وعند أبي حنيفة يجزي الترجمة للعاجز لدفع الحرج ولا مخالفة لقوله تعالى بلسان عربي مبين فإنه لا ينازع في أن القارئ بالترجمة لا يقرء القرآن ولكن يقرأ ما يدل على القرآن وهو أقرب من ساير الأذكار فلا استدلال عليه بما ذكر انتهى وأقول تشنيع المصنف قدس سره على أبي حنيفة إنما هو لإطلاق في جواز الترجمة بحالة العجز فإن جواز الترجمة عند العجز عن العربية موضع وفاق وهذا الناصب لما ضاق الخناق وعجز عن دفع الفساد احتمال بإدخال قيد العجز في مذهب أبي حنيفة ليتأتى له الاصلاح وما زاد بهذا إلا الفساد وقد قال في الينابيع وشرحه أن الركن عند أبي حنيفة آية أو ترجمة آية سواء أحسن العربية أم لا ذكره في الوافي وفي الهداية عنده مط لا عند صاحبيه إلا عند العجز انتهى وقال أبو محمد بن حزم في كتاب المحلى من قرأ أم القرآن أو شيئا منها أو شيا من القرآن في صلاته مترجما بغير العربية أو بألفاظ عربية غير الألفاظ التي أنزل الله تعالى عامدا لذلك أو قدم كلمة أواخرها عامدا لذلك بطلت صلاته وهو فاسق لأن الله تعالى قال قرآنا عربيا غير ذي عوج وغير العربي ليس عربيا فليس قرآنا وإحالة رتبة القرآن تحريف لكلام الله تعالى وقد ذم عز وجل قوما فعلوا ذلك فقال يحرفون الكلم عن مواضعه و قال أبو حنيفة يجز به؟؟ صلاته واحتج من قلده بقول الله عز وجل وأنه في زبر الأولين قال أبو محمد لا حجة له في هذا لأن القرآن المنزل علينا على لسان نبينا (ص) لم ينزل على الأولين وإنما في زبير الأولين ذكره والاقرار به فقط ولو أنزل على غيره (ع) لما كان آية له ولا فضيلة له وهذا لا يقوله مسلم ومن كان لا يحسن العربية فليذكر الله تعالى بلغته يقول الله تعالى لا يكف الله نفسا إلا وسعها ولم يحل له أن يقرأ أم القرآن ولا شيئا من القرآن مترجما على أنه الذي افترض عليه أن يقرء لأنه غير الذي افترض عليه كما ذكرنا فيكون مفتريا على الله تعالى انتهى قال المصنف رفع الله درجته يج ذهبت الإمامية إلى وجوب الطمأنينة في الركوع والانحناء بحيث يصل يداه إلى ركبتيه وقال أبو حنيفة لا يجب الانحناء إلى هذا الحدب بل أقل ما يقع عليه اسم الانحناء ولا يجب الطمأنينة وقد خالف في ذلك فعل النبي (ص) فإنه ركع واطمأن كما قلناه وقال صلوا كما رأيتموني أصلي انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن أقل الركوع أن ينحني بحيث ينال راحتاه ركبتيه ويشترط أن يطمئن فيه بحيث ينفصل هويه عن ارتفاع ولو بلحظة والدليل عليه السنة المشهورة وهو ما روى مسلم والنسائي والترمذي في صحاحهم عن رسول الله (ص) أنه قال لا يجزي صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود ثم أن حقيقة الركوع لا يتحقق بدون وصول اليد إلى الركبة فهذا حقيقة الركوع شرعا لا الانحناء مط ومذهب أبي حنيفة أن المصلي يكبر للركوع خافضا ويعتمد بيديه على ركبتيه مفرجا أصابعه باسطا ظهره غير رافع ولا منكس رأسه فجعل الاطمينان وإيصال اليدين إلى الركبتين من السنن لا من الأركان فلا مخالفة لفعل النبي (ص) للمسئ ثم اركع حتى تطمئن راكعا متفق عليه وروى أبو قتادة أن النبي (ص) قال أسوء الناس سرقه الذي يسرق من صلاته قيل وكيف يسرف من صلاته قال لا يتم ركوعها ولا سجودها وقال لا تجزي صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في الركوع والسجود انتهى وقال روى ابن حزم بإسناده إلى رفاعة بن رافع عن رسول الله (ص) حديثا طويلا من جملته قوله (ص) لا يتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله تعالى ويغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه و رجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ويمجده ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر ثم يكبر فيركع فيضع على ركبتيه حتى يطمئن مفاصله يسترخي ثم يقول سمع الله لمن حمده ويستوي قائما حتى يأخذ كل عظم ما خذه ويقيم صلبه ثم يكبر فيسجد ويمكن وجهه من الأرض حتى يطمئن مفاصله ويسترخي ثم يكبر فيرفع رأسه ويستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال لا يتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك قال ابن حزم التحميد المذكور هو أم القرآن وقد خالف أبو حنيفة أكثر هذا الحديث حيث جوز الصلاة بغير أم القرآن وبغير أن يقيم ظهره في ركوعه و سجوده وبلا طمأنينة ومن العظايم التي نعوذ بالله منها أن يقول رسول الله (ص) لا يتم صلاة أحدكم حتى يفعل كذا وكذا وافعلوا كذا وكذا فيقول قايل بعد أن سمع هذه الأخبار أن الصلاة يتم بدون ذلك مقلدا لمن أخطأ ممن لم يبلغه الخير أو بلغه فناول غيره قاصد الخلاف رسول الله (ص) وكذلك من
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»