صلاة فعلى ما ذكرنا لا يرد على مذهب أبي حنيفة ما ذكر انتهى وأقول لا يخفى أن ما تكلفه الناصب من الدليل لأبي حنيفة أقبح من بقاء مذهبه بلا دليل وذلك لأن التفصيل الذي أخذه في دليله أشنع من أصل الدعوى فإن الجنون أيضا قد يكون يوما بل أقل كما في الحبور لا يصدر عن مجنون أو ممرور وإنما قلنا أن الناصب قد تكلف ذلك الدليل لأن دليله هو الاستحسان كما صرح به مؤلف الهداية وهو أن المدة إذا طالت كثرت الفوايت فيحرج في الأداء حرج التكرار وإذا قصرت قلت فلا حرج والكثير أن يزيد على يوم وليلة لأنه يدخل في حد التكرار انتهى ولا يخفى في ما هذا الاستحسان أيضا من استقباح العقل له وأما ما نقله من دليل محمد فيتوجه عليه منع أن الساعة والزمان الزيادة على أوقات الصلوات الخمسة غير مقدرة فتدبر قال المصنف رفع الله درجته الثانية ذهبت الإمامية إلى أن تقديم الصلاة في أول وقتها أفضل إلا للمتنفل ومريد انتظار الإمام والمغرب في المزدلفة وقال أبو حنيفة يستحب الاسفار بالصبح وتأخير الظهرين والجمعة وقد خالف بذلك أمر الله تعالى في قوله سارعوا إلى مغفرة من ربكم فاستبقوا الخيرات وقول النبي (ص) الصلاة في أول الوقت رضوان الله وفي آخره عفو الله والمعقول فإن المكلف في معرض الحدثان فتقديم الفريضة أولى لما يحذر من تطرق الحوادث ولأنه مأموره في أول الوقت إجماعا والاحتياط التقديم لأن جماعة ذهبوا إلى أن الأمر للفور فيخرج عن العهدة بيقين بخلاف التأخير انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن الأفضل تعجيل الصلاة في أول الأوقات بالاشتغال بأسبابها كالطهارة وستر العورة وغيرهما بلا تطويل وتكلف تمحله فوق العادة ولا يضر الشغل الخفيف كأكل لقم وكلام يسير السنة المشهورة وهي ما روى مسلم والترمذي في صحيحهما عن علي رض أنه قال قال لي النبي (ص) يا علي ثلث لا تؤخرها الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفوا وروى الترمذي في صحيحه عن أم فروة قالت سئل رسول الله (ص) أي الأعمال أفضل قال الصلاة لأول وقتها وروى الترمذي عن ابن عمر أنه قال قال رسول الله (ص) الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والوقف الآخر عفو الله وروى الترمذي عن عائشة أنها قالت ما صلى رسول الله صلاة لوقتها الآخر إلا مرتين حتى قبضه الله تعالى هذه دلايل الشافعي على أن الصلاة في أول الوقت أفضل وعنده أنه يسن الايراد بالظهر لا الجمعة في شدة الحر لمن يصلي بالجماعة في مسجد يأتيه الناس من بعد ولا يؤخر عن النصف الأول ودليل الايراد السنة المشهورة وهو ما روى البخاري ومسلم والنسائي والترمذي في أسفار الفجر وقد أخذ عن النعمان بن البشير قال قال رسول الله (ص) أسفروا بالفجر فإنه أعظم الأجر هذا دليل أبي حنيفة في أسفار الفجر وقد أخذ كل من الإمامين بما صح عنده من الحديث وهما لا يعملان في الشرع إلا بمقتضى الكتاب والسنة لا بالعقل وتحسينه وتقبيحه ثم مذهب أبي حنيفة أنه يستحب التأخير لظهر السيف لحديث الابراد والعصر ما لم يتغير الشمس والعشاء إلى ثلث الليل للحديث وللوتر إلى آخره للحديث أيضا وذلك لمن وفق بالانتباه فحسب ويستحب عنده التعجيل لظهر الشتاء والمغرب هذا مذهب أبي حنيفة في الأوقات فعلم أنه لم يحكم في ساير الأوقات بالتأخير مط بل تأخير كل وقت لدليل فكيف يحكم فيه أنه خالف النص وهو الأمر بالمسارعة لأن المسارعة إذا لم يرد فيه سنة مخصصة مستحبة وإلا فالعمل بالسنة وأما ما ذكر من كون الإنسان في معرض الحدثان فتقديم الفريضة أولى فنقول التقديم والتأخير ليس بالرأي والعقل بل يحكم الرشع وقد ذكرنا إن كل واحد من الإمامين عمل بالحديث انتهى وأقول قد مر أن أمثال تلك الأحاديث التي استند بها فقهاء أهل السنة لا يصلح للحجية لأنها من متفردات القوم دون ما اتفق عليه الفريقان من المسلمين فالاستدلال بها في مرتبة المصادرة على المط على أن حديث الابراد على ما في البخاري ومسلم هو قوله (ص) أبردوا بالظهر لا قوله أبردوا بالصلاة وإنما يدل هذا الناصب لفظ الظهر بلفظ الصلاة ليتأتى؟؟؟؟ الحديث في تأخير العصر والجمعة أيضا ولم يعلم أن مثل هذا التمويه والتزوير مما لا يروج على الناقد البصير وعلى هذا فحديث الابراد لو سلم صحته لدل على تخصيص الآية بالنسبة إلى الظهر لا بالنسبة إلى الظهر لا بالنسبة إلى العصر والجمعة فيبقى الحكم بالتأخير فيهما بلا دليل و ح يندفع ما ذكره الناصب بقوله فعلم أن أبا حنيفة لم يحكم في ساير الأوقات بالتأخير مط بل تأخير كل وقت لدليل اه لما عرفت من أن الدليل غير جاز في الكل وأما ما يشعر به كلامه من أن الأمر في قوله تعالى وسارعوا للاستحباب فمدخول بأن مطلق الأمر للوجوب عند محققي الأصول وأما ما ذكره المصنف من أن الإنسان في معرض الحدثان اه فتمسك بالاحتياط على وجه مغاير لما ذكره بعد ذلك وهو أصل متفق عليه بين أهل الإسلام وما ضل عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط فلا يتوجه عليه ما ذكره الناصب من أن التقديم والتأخير ليس بالرأي والعقل اه فتدبر قال المصنف رفع الله درجته الثالثة ذهبت الإمامية إلى أنه إذا تنفل على الراحلة لم يلزمه أن يتوجه إلى جهة مسيرها وقال الشافعي إن لم يستقبل القبلة ولا جهة مسيرها بطلت صلاته وقد خالف بذلك كتاب الله حيث يقول أينما تولوا فثم وجه الله وقد نص الصادق (ع) أنه في النوافل خاصة وخالف المعقول أيضا لأن جهة السير غير مقصودة في الاستقبال لمساواته غيره بل ربما كان غيره أولى بأن يكون مسا؟؟؟ وجهة السير مستدبرا انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة إلا في شدة الخوف والنافلة في سفر المباح أما اشتراط استقبال القبلة في ساير الصلوات لقوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره فأوجب النص استقبال القبلة في الصلاة مط ثم السنة المشهورة أتى بالزيادة على الكتاب كما ذكر في الأصول وهي ما روى البخاري ومسلم والنسائي في صحاحهم عن ابن عمر قال كان النبي (ص) يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت يومي به إيماء صلاة الليل إلا الفرايض ويوتر على راحلته وروى مسلم عن أنس أن رسول الله (ص) كان إذا سافر وأراد أن يتطوع استقبل القبلة بناقته فكبر ثم صلى حيث وجهه ركابه وروى الترمذي عن جابر قال بعثني رسول الله (ص) في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق ويجعل السجود أخفض من الركوع فهذه الأحاديث الصحاح أثبت زيادة على النص فاقتصر في الزيادة على قدر ما ورد في السنة والتوجه حيث شاء لم يثبت في السنة فلا يجوز القول به لأنه مخالف
(٣٦١)