في ذلك مقتضى العقل والنقل أما النقل فلأنه مأمور بأن يصلي في ثوب طاهر على موضع طاهر وقد امتثل فيخرج عن العهدة وأما العقل فلأنه أي تعلق للصلاة بذلك المكان الذي نحل فيه النجاسة وأي فرق في العقل بين أن يتحرك بحركته أولا وكذا إذا صلى وعلى رأسه طرف عمامة طاهر والطرف الآخر نجس وهو موضوع على الأرض فإن صلاته إذا صحيحة وقال أبو حنيفة أن تتحرك بحركته بطلت وقال الشافعي يبطل بكل حال وكذا إذ أشد كلبا يحل وطرف الحبل معه صحت صلاته وكذا إذا أشد الحبل في سفينة فيها نجاسة وقالت الشافعية في الكلب إن كان واقفا على الحبل صحت صلاته وإن كان حاملا يطرقه بطلت صلاته ومنهم من فرق بين أن يكون الكلب صغيرا أو كبيرا فقال إن كان كبيرا صحت صلاته وإن كان صغيرا بطلت وكل هذه آراء لا دليل عليها من عقل ولا نقل انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يجب أن يكون بدن المصلي ومحموله وما يلاقيها ظاهرا فلو تناول نجسا أو أصاب ثوبه أو بدنه أو مصلاه نجس وعرف موضعه وجب الغسل وإن لم يعرف واحتمل وجوده في كل جزء أو انحصر في موضعين مثلا كأحد كمين أو يدين أو إصبعين لم يجز العمل بالاجتهاد ولو أرسل العمامة أو غيرها فإصابته نجاسة أو أرضا نجسة أو قبض طرف حبل أو ثوب أو شدة في يده أو رجله أو وسطه والطرف الآخر نجس أو متصل بالنجاسة أو على كلب أو مشدود فيه صغير أو كبير حي أو ميت بطلت الصلاة وإن لم يتحرك الطرف المعقد في الكل لأن المصلي في الصور المذكورة صادق عليه أنه مشتمل على النجاسة هذا هو المذهب والدليل ومذهب أبي حنيفة أنه يجوز للمصلي أن يصلي على طرف بساط طرف آخر منه نجس تحرك أحدهما بتحرك الآخر أولا هكذا ذكر في الوقاية وقال شارحه وإنما قال هذا احترازا عن قول من قال إنما يجوز الصلاة على الطرف الآخر إذا لم يتحرك أحد الطرفين بتحريك الآخر هذا مذهب أبي حنيفة فعلم أن هذا الرجل لم ينقل المذهبين على ما هما عليه ثم ما ذكر من مذهبه فهو باطل لأن البساط والعمامة إذا كان طرفاهما نجسا ملزم أن يكونا نجسين لأن كل واحد منهما شئ واحد ويصدق عليهما أنهما نجسان مثلا إذا صار جزء من العمامة نجسا هل يجوز أن يطلق عليها أنها نجسة أولا ولا شك في جواز الإطلاق فيكون المصلي على البساط الذي كان طرفه نجسا مصليا على البساط النجس وكذا العمامة فمذهبه باطل عقلا ونقلا انتهى وأقول فيه نظر أما أولا فلأن قوله لأن المصلي في الصور المذكورة صادق عليه أنه مشتمل على النجاسة مردود بأن دعوى صدق الاشتمال بل الحمل في الصور المذكورة مكابرة على العرف واللغة سيما إذا كان بين الطرف المحمول على المصلي والطرف الآخر من العمامة أو البساط خمسون ذراعا أو أكثر ودعوى وجود النص على الإرادة المذكورة دعوى كاذبة بما قاله المصنف ويرشد إليه مطالعة الكتب المبسوطة كالينابيع وشرحه للأنصاري والروضة للنوي ونحوها ودعوى الاجماع عليها مع وقوع الخلاف فيما بينهم أيضا كما ترى أكذب وأعجب فتأمل وأما ثانيا فلأن تطويله في نقل مذهب الشافعي وأبي حنيفة مما لا طايل تحته وما زعمه من أنه يعلم من ذلك أن المصنف لم ينقل المذهبين على ما هما عليه باطل وشأن المصنف في التحقيق وتتبعه للمذاهب أجل من أن ينقل شيئا منها لا على ما هو عليه وإنما يحكم بذلك اعوجاج طبع الناصب فإن المصنف قدس سره إنما نقل مذهب أبي حنيفة في العمامة ومذهبه فيها كما ذكره المصنف من أنه إن تحرك طرفها بحركة المصلي لم يجز وقد صرح بذلك الفاضل الأسفرايني في حاشية شرح الوقاية وغيره في غيرها وما نقله الناصب عن شرح الوقاية إنما هو في البساط كما لا يخفى على أنه يجوز أن يكون المذكور في أصل الوقاية هو المفتي به بينهم وما أشار إليه الشارح من القول المحترز عنه هو قول أبي حنيفة وقد ترك لعجزهم عن نصرته ولو سلم فيكفي كون هذا مذهب بعض الحنفية فإن التشنيع على أحدهم في قوة التشنيع على الباقين وأما ما نقله المصنف قدس سره من مذهب الشافعي فيظهر صحة نسبة إليه وكونه على ما هو عليه بالنظر إلى كتاب الينابيع وشرحه فالقضية منعكسة والإيرادات متنكسة وأما ثالثا فلأن ما ذكره في إبطال مذهب المصنف من أن البساط والعمامة إذا كان طرفاهما نجسا يلزم أن يكون نجسين لأن كل واحد منهما شئ واحد يصدق عليهما أنهما نجسان اه مدخول بأنه لو تم ما ذكره لزم بطلان صلاة المصلي على الأرض الذي يكون بعض أطرافها نجسا لأنها أيضا شئ واحد بعضها متصل ببعض وبعضها نجس والحل أن الصادق في الأصل والنقض هو أن البساط على الاطلاق والأرض على الاطلاق نجسة لا أن مكان المصلي منهما نجس والذي يعتبر في صحة الصلاة هو مقدار مكان المصلي منهما لا ما اتصل به من الأقاليم السبعة وتتمة البساط الذي يكون أوسع من رخص أبي حنيفة وبهذا ظهر أن ما أتى به من التمثيل كأصل الدليل لا يشفي العليل ولا يروي الغليل والله الهادي إلى سواء السبيل قال المصنف رفع الله درجته الفصل الثاني في الصلاة وفيه مسايل الأولى ذهبت الإمامية إلى أن الاغماء إذا استوعب الوقت سقطت الصلاة أداء وقضاء وقال أحمد بن حنبل يجب القضاء مطلقا وقال أبو حنيفة إن أغمي عليه في خمس صلوات وجب قضاءها وإن أغمي في ست لم يجب وقد خالفا في ذلك المنقول والمعقول أما المنقول فهو الخبر المتواتر بين الأمة رفع القلم عن ثلثه وأما المعقول فما تقدم من أن شرط التكليف الفهم والمغمى عليه غير فاهم ولأن القضاء تابع للأداء فإذا سقط الأداء كان القضاء ساقطا انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لا يجب الصلاة على المجنون ولا على من زال عقله بالاغماء أو المرض ولا القضاء إذا أفاق ولو زال عقله بسبب محرم كالمسكر وجب القضاء إذا علم أنه مسكرا ومزيل والدليل عليه السنة المشهورة وهي ما روي في الصحاح أنه رفع القلم عن ثلث وذكر فيها المجنون حتى أفاق هذا مذهب الشافعي ودليله ومذهب أبي حنيفة أنه إذا جن أو أغمي عليه يوما وليلة قضى ما فات وإن زاد ساعة فلا هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وأما عند محمد فالمعتبر الأوقات أي إن استوعب وقت ست صلوات يسقط والمراد بالساعة الزمان لا ما تعارفه المجنون ودليل أبي حنيفة أنه في اليوم والليلة حكمه حكم المريض فيحكم بوجوب القضاء وإذا زاد تحقق أن حكمه حكم المجنون فلا قضاء عليه للسنة المذكورة ودليل محمد أن الساعة غير مقدورة فالواجب تقديره ولا شئ أضبط في التقدير من وقت الصلاة فيقدر الساعة بوقت
(٣٦٠)