إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٥٠
ولا من أبيه ولا من غيره من الصحابة وضوءا ولا تعلم منهم الوضوء الشرعي وكان يصلي مدة بالوضوء المخترع من تلقاء نفسه إلى أن منعه النبي (ص) بقوله ويل لك عقاب من النار ونظير حديث عبد الله بن عمرو العاص ما ذكر في كتاب المشكاة عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه قال رجعنا مع رسول الله ص من مكة إلى مدينة حتى إذا كنا بماء في الطريق تعجل قوم عند العصر فتوضأوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال ص ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء رواه مسلم انتهى وفيه أولا إن الإسباغ إنما يق في الزايد على الواجب فلو كان غسل الأعقاب داخلا في أصل واجب الوضوء كما يدل عليه الوعيد؟؟؟
كان ذكر الاسباغ لغوا بل كان الواجب أن يق تمموا الوضوء أو نحوه فهذا أول دليل على وضع الحديث وثانيا أن الظاهر كما أشرنا إليه سابقا هو أن ذلك القوم مع إسلامهم كانوا من الصحابة فكيف يتصور منهم أن لا يعلموا في مدة إسلامهم وعبادتهم إلى ذلك الوقت أن الوضوء التمام المشروع وهو أن يغسل كل الرجل حتى بينهم النبي (ص) بذلك ولو قيل أن العجلة دعاهم إلى ذلك قلنا هذا يؤل إلى نسبة التشريع إلى الصحابة وتواطؤ قوم منهم على ذلك على أن متن الحديث لا يقتضي أن يكون عدم غسل الأعقاب للعجلة بل ظاهره أن تقديم الوضوء قبل وقت العصر عند الوصول في الطريق إلى ذلك الماء كان على سبيل الاستعجال وخوف فقد الماء في ذلك الطريق عند تضيق وقت العصر فعلى ما ذكرنا يجب أن يحمل ذلك على أن في أعقابهم كان نجاسة لم يزيلوه وذلك لأنهم كما مر يلبس هواء الحجاز وليس النعال العربية كثيرا ما يتشقق أعقابهم فيداوونها بالبول وهذا الاهمال منهم ليس بمستبعد على تقدير القول بوجوب المسح لأنها لم يكن محلا لمسح الوضوء والمعتبر في صحة الوضوء طهارة موضع العضو المختص به لا باقي الأعضاء وإنما يشترط طهارة ساير الأعضاء في الصلاة وهو ظ ومعنى الإسباغ متجه أيضا على هذا التقدير لأن القائلين بالمسح يقولون باستحباب تقديم غسل الرجلين إذا احتاج إليه لتنظيف أو تبريد ولو نسيه تراخى به عن المسح والدلك باليد وأما قوله ص ويل للأعقاب من النار فقد بان وجهه ولقد بان بما فصلناه أن ما زعمه الناصب من الدلائل المتقنة أوهن من؟؟؟؟ العنكبوت وأضعف من شبهات ملاحدة الموت وأما ما ذكره من أن جميع أهل الأعصار من عامة الناس ومشاهير العلماء في كل عصر تقرر منهم غسل الأرجل اه فدعوى باطلة لتصريح البغوي محيي سنة أهل السنة في معالم التنزيل وإمامهم فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير بأن المسح مما ذهب إليه عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وسلمان الفارسي وأبو ذر وعمار وأنس بن مالك وأئمة أهل البيت عليهم السلام وانعقد مذهب شيعتهم الإمامية ومن الفقهاء أبو العالية وعكرمة والشعبي وذهب ابن جرير الطبري من أئمة الشافعية وأبو علي الجبائي واتباعهما إلى التخيير وذهب الحسن البصري وداود من الظاهرية إلى أنه يجب الجمع بينهما وهو قول الناصر من أئمة الزيدية فظهر أن المعارض جمع كثير من أئمة أهل البيت عليهم السلام وأكابر الصحابة وعلماءهم وفقهاء التابعين لأشر ذمة من الشيعة كما توهمه الناصب وإماما طلب فيه الإنصاف من أن الحق في طول الأزمنة يبقى مختفيا هكذا ففيه أن الحق في هذه المسألة لم يكن مختفيا عند القوم قط لما ذكرنا أنهم كما رووا وجوب الغسل عن جماعة من الصحابة رووا وجوب المسح عن جماعة أخرى منهم لكن لما كان القول بوجوب الغسل من بدع رئيس الجماعة الأولى أعني عمر فإنه الذي دعا الناس إلى غسل الرجلين ومنع من مسحهما رجح الجمهور المعتقدين لخلافة وفضله على غيره قوله بوجوب الغسل على قول غيره بوجوب المسح كما رجحوا ساير بدعه من التراويح وغيره على السنة المأثورة عن رسول الله (ص) وأما قوله ثم إن في أزمنة الخلفاء هل كان المقرر اه فمردود بأن المقرر عند الكل لم يكن شئ من الغسل والمسح بل كانوا مختلفين فيه كما مر فعند بعض الصحابة من الخلفاء وغيرهم وجوب المسح وعند بعضهم الغسل وأما قوله ولو كان المقرر في الأزمنة المسح لكان يذهب إليه بعض علماء السنة كالشافعي اه ففيه ما قررنا من أنه لم يتقرر في الأزمنة عند الكل شئ من ذلك بل كانوا مختلفين فيه فذهب الشافعي وأمثاله من المتأخرين إلى مذهب من وقع عليه هوائهم من طرفي الخلاف على أن مخالفة الشيعة عند فقهاء أهل السنة هم من اختيارهم للحق كما سيجئ بيانه ولهذا لم يذهبوا إلى وجوب المسح مع أن محمد بن جرير الطبري من مجتهدي الشافعية لما اطلع على أحوال السلف شذ عن أصحابه وذهب إلى التخيير فافهم وأما قوله ولقد سألت علماء الشيعة في الجبل العامري اه ففيه أنه يق لذلك الجبل جبل العامل باللام دون الراء ومن هذا يفهم أن وصوله هنالك وسؤاله ع عن عليائه فرية بلا مرية وأما قوله فأنصفوا أنهم لا يصلون الفرايض بدون الغسل ففيه أن هذا لا يدل على اعترافهم بعدم إقبال نفوسهم إلى الصلاة بالمسح كما ذكره في السؤال عنهم لأن الغسل عندهم مستحب فمن واظب على هذا المستحب صدق في قوله أنه لا يصلي الصلاة بلا غسل الرجل كما يشعر به ما نقله آخرا من جمعهم بين المسح والغسل ولعلهم اتقوا عنه فضحكوا على لحيته بتلك العبارة المحتملة للأمرين ثم الجمع كما يمكن أن يكون للاحتياط والخروج عن الخلاف يمكن أن يكون لاستحباب الغسل بعد المسح كما ذكرنا وأن يكون للتقية فتأمل ولقد علمت في سواف الأيام في هذه المسألة رسالة لطيفة سميتها نهاية الإقدام في وجوب المسح على الأقدام فليرجع إليها من أراد الإحاطة بأطراف الكلام قال المصنف رفع الله درجته العاشرة ذهبت الإمامية إلى وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء وبه قال أمير المؤمنين ع وابن عباس وقتادة وأبو عبيدة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحق وقال أبو حنيفة أنه غير واجب وبه قال مالك وقد خالفا في ذلك نص القرآن حيث عقب بالغسل وجعل نهايته اليدين ثم عطف بالمسح وجعل نهايته الكعبين انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء مذهب الشافعي ودليله قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم ففرض تقديم غسل الوجه فيفرض تقديم الباقي مربيا لأن تقديم غسل الوجه مع عدم الترتيب خلاف الاجماع وذهب أبو حنيفة إلى عدم وجوب الترتيب لأن حرف الواو للجمع فالمراد فاغسلوا هذا المجموع فلا دلالة على تقديم غسل الوجه حتى يوجب النص في التريب في باقي الأعضاء والشافعي يستدل في بيان النص بالستة فلا يكون أبو حنيفة قائلا بخلاف النص لما علمت من تطرق الاحتمال إليه والنص لا يكون كذلك وما ذكر من التعقيب بالغسل وذكر النهاية في اليدين فلا دلالة له على وجوب الترتيب كما علمت انتهى وأقول أن مسئلة وجوب الترتيب مما اختلف فيه علماء الأعصار وتعارك فيه أنظار أولي الأيدي والأبصار فالإمامية والشافعية وجماعة من المتقديم؟؟ على الوجوب وأبو حنيفة وجماعة على العدم قال فخر الدين الرازي
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»