إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٤٩
عذاب يوم أليم وحور عين بالخبر في قراءة حمزة والكسائي وقولهم حجر ضب وحكم بأن فايدة ذلك التنبيه على أنه ينبغي أن يقتصد في صب الماء عليها ويغسل غسلا يقرب من المسح انتهى وفيه نظر من وجوه أما أولا فلأنه مبني على عطف الأرجل على المغسول أعني الوجوه وقد بان بطلانه من وجوه وأنه يتحتم عطفها على الرؤس وأما ثانيا فلأن الجر بالمجاورة ضعيف في نفسه جدا بل قدر ذكر فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير أنه لا يجوز الكسر بالجوار لأنه معدود في اللحن ولأنه إنما يكون بدون حرف العطف وأما مع حرف العطف فلم يتكلم به العرب انتهى ونقل ابن همام الحنفي في شرح هداية الفقه عن ابن الحاجب أنه قال الحمل على الجوار ليس بجيد إذ لم يأت في القرآن ولا في كلام فصيح انتهى وبالجملة قد أنكر ذلك جميع المحققين من أهل العربية والقايل به شاذ من الناس فلا يليق بكتاب الله تعالى وأما ثالثا فلأن من جوزه إنما جوزه بشرطين عدم اللبس وعدم الفصل بينهما بحرف العطف ولم يجوزه أحد مع الفصل ولا مع اللبس أصلا وفي الآية كلا الشرطين مفقود فعدم جوازه في الآية إجماعي ومن قال به فلتعصب الجاهلية الأولى أو لجهله بقواعد الإعراب وأما رابعا فلأن في مثل أكرمت زيدا وعمروا وسخرت بخالد وبكر إذا جعل بكرا معطوفا على عمر والمكرم المنصوب وقيل أنه جره بالمجاورة كما يقولون لا يرتضيه من له أدنى تميز لما فيه من التعسف والركاكة و الابهام والبعد عن أسلوب كلام حاضري الأحلام وأما خامسا فلأن ما استشهد به للجر من نحو قولهم حجر ضب حزب لمجاورة حزب للنصب قوله تعالى وحور عين لمجاورتها لحم طير وعذاب يوم أليم لمجاورة يوم فمدفوع بطهور مخالفة المثال الأول للآية لوجود الشرطين الذين يشترطهما مجوز الجر بالمجاورة وهما عدم حرف العطف وعدم اللبن فيهما لأن الخرب معلوم أنه صفة للحجر لا الضب وأما الأرجل فيصح أن يغسل وأن يمسح وهو الأظهر وأما المحققون النافون للجر بالمجاورة أصلا فقالوا المراد حزب حجره على نحو مررت برجل ضارب أبوه فحذف المصاف واستكن المضاف إليه في خرب وأما حور عين فجرها بالعطف على جناب النعيم كأنه قال في جنات وفاكهة ولحم طير وحور عين كما يقال فلأن في أكل وشراب أو معطوف على أكواب فمعناه ينعمون بأكواب وحور عين قال ذلك أبو علي الفارسي في كتابه الحجة في القراءة والقاضي البيضاوي المذكور في تفسيره وأكثر المفسرين وأما عذاب يوم أليم فإنه صفة ليوم كما يقال يوم أليم وعذاب أليم وحر أليم أي مؤلم وذلك في كلام العرب شايع فصيح مع أنه لا فصل فيه ولا لبس فلو سلم أن جره بالمجاورة لم يكن دليلا على ما نحن فيه نعم يكون ضعيفا شاذا وجعله صفة ليوم يكون من فصيح المجازات ولطيفها كما صرح به الفاضل الأسفرايني في هذا المقام من حاشيته على شرح الوقاية وأما سادسا وسابعا وثامنا فلما يرد على النكتة التي لخصها من كلام صاحب الكشاف ما أوردناه عليه سابقا فتذكر ثم أقول تلخيص الكلام في تحقيق المرام أن الراجح في المقام أما المصير إلى قراءة النصب بنصب الأرجل عطفا على محل برؤوسكم أو المصير إلى قراءة الجر عطفا على رؤسكم وعلى التوجيهين يستفاد وجوب المسح كما لا يخفى وهذان التوضيحان وإن لم يكونا أظهر في حد ذاتها مما اختاره الجمهور لكنها مرجحان على ما اختاروه من عطف الأرجل على مفعول اغسلوا وعلى عطفها بالجر على رؤسكم بالمجاروة أما على الأول فبموافقة ذلك قراءة الجر وبقرب المعطوف عليه إلى المعطوف والعامل إلى المعمول وبأن العطف على المحل مع عدم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أظهر من العطف على اللفظ مع الفصل بينهما بجملة أجنبية من غير فايدة مهمة أو تقدير فعل بلا قرينة كما عرفت وأما على الثاني فظاهر جدا إذا أتقنت ذلك فلتنظر إلى ما ذكره الناصب من البيان الخارجي لمجمل الآية وهو ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فنقول فيه نظر سندا ومتنا أما الأول فلما عرفت أنفا من بطلان حجية روايات الخصم علينا سيما ما رواه البخاري مع ما سمعت منا فيه وفي كتابه من القوادح سيما في هذا الحديث الذي ما رواه عن عبد الله بن عمرو العاص وهو الباغي الداعي إلى النار كما جاء في صحاحهم وهو الذي كان في حرب صفين مع معاوية جعله على ميسرته وكان لشدة عناده يقاتل بسيفين ويضرب بهما عليا ع وأصحابه كما مر مع زيادة تفضيح لحاله في البحث الخامس من مباحث الإمامة والعجب من قوم ثبت عندهم مثل هذه الأحاديث في حق هؤلاء ثم يأخذون عنهم دينهم وأما الثاني فلأنه دليل على المسح لا على الغسل كما زعموه وبيان ذلك على ما أشار إليه الشيخ الفاضل أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي في كتابه الموسوم بكنز الفوايد أن أهل الحجاز ليس هواهم ولبسهم النعال العربية كانت أعقابهم ربما يتشقق فيداوونها بالبول على قديم عادتهم ويزعمون أنه يزيل الشقاق ولهذا تسمعهم يقولون أعرابي بوال على عقبيه فربما ترك عبد الله ومن معه غسلها على نسيان أو لتهاون أو نحو ذلك فقال ص ويل للأعقاب من النار لينبه من كان بال على عقبه أن يغسله ولأن البول والدم إنما كان على الأعقاب ولو كان المراد إيجاب غسلها للوضوء لقال اغسلوا أرجلكم ولم يأت في هذا الحديث وفي عدة أحاديث رووها عن أبي هريرة وجابر بلفظ صريح في كون الغسل لعقب وهلا قال مرة واحدة ويل للأرجل أو اغسلوا أرجلكم لأن الواجب عليكم غسل الأرجل إلى الكعبين ولم خص الأعقاب والعراقيب بالذكر لولا ما ذكرناه من التوجيه والبيان الوجيه ويعضد هذا التأويل ما رواه المصنف قدس سره في التذكرة عن عبد الله عمر أن رسول الله ص رأى قوما يتوضأون وأعقابهم تلوح فقال ويل للأعقاب من البول ويؤيده ما وقع في الكشاف رواية عن ابن عمر أيضا قال كنا مع رسول الله فتوضأ قوم وأعقابهم بيض تلوح فقال ويل للأعقاب من النار الحديث فإن الظاهر من قوله وأعقابهم بيض تلوح أن ذلك الابيضاض والتلويح من الأجزاء المالحة الحاصلة من البول كما لا يخفى على من نظر في الأراضي التي بال عليها الإنسان أو غير ممن الحيوانات أو شاهد بعض الصبيان السوقية الذين لا يبالون بالبول قائما على ساقهم إن لم يتفق له مشاهدة العرابي الذي شأنه ما ذكرناه وأيضا يجوز أنه ص رأى ذلك القوم غسلوا أرجلهم في الوضوء عوضا عن مسحها فرأى أعقابهم تلوح عليها الماء فقال ويل للأعقاب من النار وعلى التقديرين لا دلالة لهذا الحديث أيضا على مدعاهم بل هو عليهم لا لهم كما أوضحناه ثم أقول ح لا شك أن عبد الله بن عمرو والذين توضأوا وامسحوا على أرجلهم بمرأى من رسول الله ص كانوا من أصحبه عند القوم ولا شك ولا شبهة أن أصحابه ص أعلم من غيره بسنن رسول الله ص لمشاهدتهم له في أفعالهم سيما في الأسفار ولأخذهم معالم دينهم وواجباتهم وسننهم عنه بغير واسطة خصوصا الضرورية المتكررة كالوضوء فلو لا عليهم بوجوب المسح ما مسحوا وهل يتصور من مثل عبد الله بن عمرو مع ما وصفوه به من الزهد والعبادة والعلم والمعرفة أنه من حين بلوغه بل من أيام تمرينه للصلاة إلى حين وقوع ذلك السفر لم يشاهد من النبي (ص)
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»