إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٥١
في تفسير الآية المذكورة من صورة المائدة احتجوا من الجنبين بهذه الآية في مسئلة اشتراط الترتيب أما من جانب أبي حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا أن الله تعالى أمر بغسل هذه الأعضاء عند القيام إلى الصلاة وغسل هذه الجملة شرط لجواز الصلاة فيكون أمرا بالمجموع حتى إذا وجد غسل البعض دون البغض لا يجوز ولو كان كذلك لكان تقدير الآية كأنه تعالى قال فاغسلوا هذه الجملة عند القيام إلى الصلاة من غير أن يراعي الترتيب فيها وأيضا أنه تعالى ذكر الأعضاء الأربعة وعطف بعضها على بعض بحرف الواو والواو للجمع المطلق كما ذهب إليه أبو علي الفارسي ومن تابعه ويؤيده قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله وقوله تعالى و اسجدي واركعي وقوله تعالى رب موسى وهارون وغيرها من الآيات وكذلك قول الناس جاءني زيد وعمرو فإنه أخبار عن محييهما مط فلا يفهم منه غيره و أما من جانب الشافعي وأتباعه فإنهم قالوا مر بغسل الوجه عند القيام إلى الصلاة وكان القيام شرطا لغسل الوجه والأصل في الجزاء أن يكون متصلا بالشرط ولأنه تعالى قدم غسل اليدين في الدكر فوجب تقديمه في العمل قال تعالى فاستقم كما أمرت وأيضا أن الفاء في قوله تعالى فاغسلوا للتعقيب فوجب أن يجب غسل الوجه عقيب القيام إلى الصلاة وأيضا أنه عطف بعض الأعضاء على البعض بحرف الواو والواو للترتيب في الأصل ذكره تغلب وقد دل عليه قوله تعالى أن الصفا والمروة من شعائر الله فإنه للترتيب فيه وقول الشافعي يوافق قول مالك في هذه المسألة وأما ترجيح أحد الجانبين على آخره فالسيف لضاربه انتهى كلامه وأقول نعم السيف لضاربه الهاشمي العلوي الحسني المشرعي والترجيح لما يوافق الطريق الرضي المرتضوي وذلك يطهر بتحرير دلايل وجوب الترتيب على وجه يتضح منها بطلان دلايل القايل بالعدم فنقول الدليل الأول راجع إلى الثالث وسنحرره إنشا تعالى وأما الثاني فتوضيحه أن بعض الأعضاء مقدم باللفظ في الآية الكريمة فكان دالا على الترتيب لعموم قوله تعالى فاستقم كما أمرت وحقيقة الاستقامة إنما يحصل بمراعاة صورة الأمر أيضا فاستقم كما أمرت وأما الثالث فتوضيحه أن الظاهر من الآية هو العطف على غسل الوجه بعد دخول الفاء حتى يكون الفاء داخلا على كل واحد من الأعضاء المذكورة لا على المجموع لأن الظ تقدم الربط على العطف فيقتضي وقوع كل من المعطوفات عقيب شئ بلا مهلة وذا لا يصح بالنسبة إلى القيام للصلاة فتعين أن يكون لتعقيب كل من المعطوفات بالنسبة إلى سابقه فيكون الشرطية من قبيل إذا خرج الأمير استأذنت وخرجت أي إذا استأذنت خرجت فتقدير الآية إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وإذا غسلتم وجوهكم فاغسلوا أيديكم وهكذا فهو من تعدد الجزاءات المترتبة وبعبارة أخرى أن المتبادر من العطف على ما ارتبط بغيره أن يكون العطف من أخرا عن ربط المعطوف عليه بذلك الغير كقولك أن جاء زيد فأكرمه وجالسه وحادثه فيدل ظاهرا على تقديم غسل الوجه بناء على أن الفاء التعقيبية مع العطف المذكور يدل على وجوب تعقيب غسل الوجه للقيام إلى الصلاة من غير فصل شئ آخر بينهما إلا ما أخرجه الدليل فيدل على عدم فصل غيره من أعمال الوضوء قطعا وهو يستلزم تقديمه عليها فيثبت الترتيب في الجميع لأن القول بتقديمه مع عدم الترتيب خلاف الاجماع المركب ولقد ظهر بهذا أيضا فساد أول ما ذكره الرازي من أدلة الحنفية فلا تغفل وأما الرابع فتوضيحه أن أصل الواو للترتيب وإن غلب في الجمع وقوله تعالى أن الصفا والمروة من شعائر الله مع قوله ص ابدؤا ما بدء الله به يدل على أن المراعي في القرآن الكريم هو الأصل ووروده في أعمال الحج لا يقتضي تخصيصه به لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول وليعلم أن في الواو أقوالا ثلاثة الأول إنها للجمع من غير دلالة على ترتيب ولا معية والثاني إن معناها التريب فيما يستحيل الجمع فيه وبه قال الغزالي والثالث أنها للترتيب مط وإليه ذهب الفراء وجماعة من النحاة والفقهاء فما ذكره صاحب كتاب الهداية في فقه الحنفية من إجماع أهل اللغة على أن الواو لمطلق الجمع غير صحيح هذا ومن الأدلة التي لم يذكرها الرازي أن سياق النظم وتأليفه يدل على الترتيب وذلك لأن الله تعالى ذكر الوجوه ووزنه فعول كروس وذكر الأيدي ووزنها أفعل كأرجل وأدخل ممسوحا بين مغسولين وقطع النظير عن النظير فلولا أن الحكمة في ذلك التنبيه على الترتيب لكان الأنسب بالبلاغة أن يق وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم كما يق رأيت زيدا وعمروا ودخلت الحمام ولا يق رأيت زيد أو دخلت الحمام ورأيت عمرو أو لو قيل ذلك لكان هجنة في الكلام ومن أحسن من الله قيلا وأقول فيه نظر لأنه إنما ينتهض على الحنفية القائلين بوجوب غسل الرجلين ولا يتمشى على القائلين بالمسح كالشيعة الإمامية ولا على القائلين بالتخيير كما لا يخفى إن قيل ههنا حكمة أخرى غير اعتبار الترتيب قد اقتضت قطع النظير عن النظير وهي ما مر من أن وجه تأخير الأرجل المغسولة عن الرأس الممسوح التنبيه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها قلنا قد مر بيان فساد هذه الحكمة فتذكر ومن أدلة وجوب الترتيب أيضا أنه يمكن استفادته من الآية بمعونة ما روي عن النبي (ص) في الوضوء البياني لكونه بيانا للآية وإن أمكن استفادته من تلك الرواية مع قطع النظر عن كونه بيانا للآية فإن قوله ص بعد ذلك البيان والوضوء مرتبا هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به يدل على وجوب الترتيب وقال شارح الوقاية مجيبا عن هذا الدليل وقد سنح لي جواب حسن وهو أنه توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به فهذا القول يرجع إلى المرة فحسب لا إلى الأشياء الأخر لأن هذا الوضوء لا يخلو إما أن يكون ابتداءه من اليمين أو اليسار وأيضا إما أن يكون على سبيل الموالاة أو عدمها فقوله هذا وضوء اه إن أراد به هذا الوضوء بجميع أوصافه يلزم فرضيته الموالاة وضدها أو التيامن أو ضده وإن لم يرد بجميع أوصافه لا يدل على فرضية الترتيب انتهى كلامه وأقول فيه نظر من وجوه أما أولا فلأن جعل هذا إشارة إلى الوضوء بحسب المرة فحسب خلاف الظاهر المتبادر بل هو تحكم محض فيكون مرجوحا بل باطلا وأما ثالثا فلأن الشافعية قد ذكروا ذلك في كتبهم بعبارة أخرى وهي أنه روي أنه ص توضأ مرتبا وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به والظاهر أن مرادهم هوان الراوي الذي علم بأحواله ص عرف بقرينة المقام أن لفظ هذا إشارة إلى الوضوء المرتب ومما يؤيد ذلك أنه روى عنه ص لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ثم يديه ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه وإنما لم يستدلوا بهذا الحديث ابتداء على وجوب الترتيب لأنه إنما يتم حجة على الحنفية
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»