إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٤٨
مدمن الماء فهو ليس بإشراف شرعا بل هو مستحب كما رووه عن النبي (ص) بالاتفاق وصرحوا بأن المد زايد عن أداء فرايض الوضوء ومستحباته على أن القسطلاني شارح البخاري روى في باب إسباغ الوضوء بسند صحيح عنده عن ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات وإن أراد أنه مظنه لاستعمال ما يزيد عن مقدار المد ونحوه بكثير فهو مم والعرف والعادة شاهدة على أن الزيادة على ذلك لا يصدر إلا عن صبي جاهل أو حلف جاف يلعب ويلهو بالماء بل المفهوم من الشرح المذكور في باب ما جاء في الوضوء عند قول البخاري وكره أهل العلم الإسراف فيه وأن يجاوز وافعل النبي (ص) أن ليس المراد من الإسراف المنهي في الوضوء ما يفهم في العرف من الاكثار في استعمال الماء بل المراد المجاوزة هما فعله (ص) فإن الشارح جعل قوله وإن يجاوزوا عطفا تفسيريا؟؟؟؟
وفرع عليه بقوله فليس المراد بالإسراف إلا المجاوزة عن فعله ص الثلث انتهى وأما ما تضمنه كلام الزمخشري ووافقه فيه الناصب من استعمال المسح في الغسل فقد عرفت فساده مما قررناه سابقا في مسألة مسح الرأس مع أن الأرجل إذا كانت معطوفة على الرؤس والمقص غسلها كما قالوه يلزم أن يكون قد استعمل سبحانه وتع لفظ امسحوا وهو لفظ واحد في حقيقته في الرؤس وفي مجازه في الأرجل بغير قرينة وتفصيل هذا الاجمال أنه لو أريد بالمسح معناه الحقيقي بالنسبة إلى الرؤس والغسل الشبيه به بالنسبة إلى الأرجل لزم أما الجمع بين الحقيقة والمجاز كما ذكره العلامة التفتازاني بأن يراد حقيقة المسح بالنسبة إلى المعطوف عليه والغسل الشبيه به بالنسبة إلى المعطوف وذلك غير جايز وأما عموم المجاز مع الاجمال المحتاج إلى البيان بأن يراد من المسح ما يعم المسح الحقيقي والغسل السبيه؟؟ به مط وهذا مما لا يتكلم به رشيد فكيف يأتي به الباري رجل اسمه في كتابه العزيز لتعليم الخواص والعوام ويجعله مضلة للأفهام وعرضة للأوهام وكان يمكن أن يقول فاغسلوا أرجلكم ولو جاز مثل هذا التأويل في القرآن أو غيره من فصيح الكلام لارتفع الإمام عن فهم المرام وخرج القرآن عن كونه دليل المحققين وأمكن للفرق المضلة أن يولوه بما يوافق مدعاهم بل بما هو أقرب من هذا التأويل بيقين وأيضا لو سلم أن الأرجل مظنة لإسراف الغسل فيها فنقول الإسراف في كل شئ مذموم ولا خصوصية له بالأرجل ولا بالوضوء فقد يكون مكروها وقد يكون حراما كما إذا أدى إلى ضرر أو ضياع مال بل قد يكون الاسباغ المستحب بل الوضوء الواجب حراما كما إذا احتيج إلى الماء لحفظ نفس محترم وهذه أمور مقررة بين أهل الإسلام مؤيدة بحكم العقل كما أشار إليه ابن همام الحنفي في شرح الهداية قبيل فصل نواقض الوضوء وليست الآية منساقة لتعليم شئ من ذلك وتكلف ذلك لتخرج الآية من دلالتها على المسح خبط بغير ضبط وأيضا أي حديث عن رسول الله (ص) أو أثر عن أصحابه أو تابعيهم أو قول للفقهاء الأربعة ومن يحذو حذوهم يدل على ما ذكره من وجوب الاقتصاد في صب الماء على الأرجل سبحانك هذا بهتان عظيم ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم بل الذي ورد في السنة المطهرة وعمل به جميع العلماء إسباغ الوضوء وهو المبالغة في الغسل وتكريره ولو كانت الأرجل مما تغسل لكان ينبغي أن يكون الاسباغ فيها والمبالغة في صب الماء عليها أكد وأفضل لأنها أكثر الأعضاء تعلقا بالوسخ وأكثرها عرضة للنجاسة خصوصا في الحجاز لمبهم النعال العربية وهي لا يحجب إلا أسفل القدم الملاصق للأرض ولا ترد وسخا ولا غبار أو لا تمنع النجاسة فكيف يجب الاقتصاد في صب الماء عليها والحال أن إسباغ الوضوء مستحب إجماعا والحاصل أنه إن أريد أن الشارع نبه بذلك على رعاية الاقتصاد فيما استحبه من إسباغ غسل الأرجل ففساده ظاهر وإن أريد أنه نبه على ألا تقاصد فيما زاد على الإسباغ المستحب فهو أفسد لأن الزايد على الإسباغ المستحب تشريع باطل فلا معنى للحكم بالاقتصاد فيه وأيضا يتوجه على قوله لم يضرب للمسح غاية أولا إنه أول المسألة وثانيا إنه افتراء على الشرع كيف وقد ضربوا للمسح على الخفين ومسح الرأس غاية فكيف ينكروه الغاية ههنا وقد وافقنا في ذلك شيخ الإسلام التفتازاني في حاشيته شرح الوقاية حيث اعترض على الزمخشري بأنه إنما حمل المسخ في الآية على الغسل لما اشتهر من فعل النبي (ص) وأصحابه لا لأن المسح لم يضرب له غاية في الشرع وذلك أنه ليس في الشرع ولا في اللغة ما يقتضي أن لا يذكر للمسح غاية غاية الأمر أنه لم يذكر سوى هذا الموضع مع أنه نقل في الكافي أنه قال ص التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وأنه ص وضع يده على خفيه ومدهما من الأصابع إلى أعلاهما مسحة واحدة انتهى كلامه وثالثا أن ضرب الغاية لا يدل على الغسل بوجه فإنه تعالى لو لم يعطف وقال امسحوا بأرجلكم إلى الكعبين لم ينكر وكان يجب المسح إليهما فكذا إذا عطف على الممسوح وبالجملة ضرب الغاية نسبته إلى الغسل والمسح على سواء فالوجه قد أمر بغسله ولم يضرب له غاية ولا يلزم من ضرب الغاية في بعض الغسل وهو غسل اليدين أن يكون كل ما ضرب له غاية غسلا وهو ظ ورابعا أنه أي محذور في عطف المحدود على غير المحدود بل هو في هذه الآية أفصح وأبلغ لأنه تعالى قال فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق فعطف الغسل المحدود على غيره فالمناسب أن يعطف في المسح كذلك ليتناسب الجملتان فيهما فإن الترتيب والتناسب في الآية إنما يحصل بهذا الوجه دون ما ذهبوا إليه لأنها كما ذكرنا قد تضمنت ذكر عضو مغسول محدود وهو اليدان ثم استونف ذكر عضو ممسوح غير محدود وهو الرأس فحسن أن يكون الأرجل ممسوحة وهي محدودة معطوفة عليه دون غيره ليتقابل الجملتان في عطف مغسول محدود على مغسول غير محدود وفي عطف ممسوح محدود على ممسوح غير محدود وأيضا قد أمر الله تعالى بغسل الوجوه و جعل للأيدي مثل حكمها من الغسل بواو العطف ثم ابتدأ جملة أخرى فقال وامسحوا برؤوسكم فأوجب للرؤوس المسح وجعل للأرجل مثل حكمها بالعطف فلو جاز أن يحالف بين حكم الأرجل والرؤس في المسح جاز أن يخالف بين حكم الوجوه والأيدي في الغسل لأن الحال واحدة فقد بان لك أنه لا يجوز نصب أرجلكم للعطف على وجوهكم أو أيديكم لأن الجملة الأولى المأمور فيها بالغسل قد نقضت وبطل حكمها باستيناف الجملة الثانية ولا يجوز بعد انقطاع الجملة الأولى أن يعطف عليها إذ يجري ذلك في الفساد مجرى ضربت زيدا وعمروا ومررت بخالد وبكر أو هو ط وعلى ما قلناه يتطابق معنى القرائتين ولا تتنافيان وأما الثاني وهو حمل قراءة الحجر على الخبر بالمجاورة فقد اختاره القاضي البيضاوي ومثل لجوازه بقوله تعالى
(٣٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»