إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٤٤
في صحاحهم عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يفس؟؟ يده في الإناء حتى يغسله ثلثا فإنه لا يدري أين باتت يده والشافعي حمل الأمر على الندم باسخوه من قال بوجوبه حمله على مقتضى الأمر وهو الوجوب ثم ما ذكره من مخالفة النص مما ينبغي أن يضحك على قوله لأن النص يقتضي غسل الوجه بعد القيام للصلاة ولا شك أن مفهومه غير مخصوص بالقيام من النوم وما نقل من إجماع المفسرين باطل وكذب وأين رأى التفسير ذلك المسكين البائس ثم أن التخصيص بالقيام من النوم باطلا لاقتضائه عدم التوضئ للقائم من مقامه الصلاة انتهى وأقول فيه نظر من وجوه أما أولا فلأن ما ذكره من أن الطهارة ليست عبادة مقصودة افتراء على أبي حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا أن الطهارة ليست عبادة محضة لا أنها ليست مقصودة وكيف لا تكون مقصودة بذاتها مع أن تجديد الوضوء ومجرد الكون على الطهارة مقصودة للشارع كما صرحوا به والحاصل أنه إن أراد أن الطهارة غير مقصورة مط فهو ظاهر البطلان كما عرفت وإن أراد أنها من حيث كونها شرطا للصلاة وبالنسبة إليها لا تكون مقصودة بذاتها فسلم ولكن لا يلزم منه أن لا يكون مقصودة مط فإن الشئ الواحد جاز أن يكون مقصودا بنفسه ومقصودا لغيره كالإسلام الذي هو مقصود بنفسه ومقصود لغيره كالعبادات المشروط صحتها به ثم القول بأن الطهارة ليست عبادة محضة وأن المحضة لا يكون غير معقول المعنى لغو محض ولكام غير معقول المعنى كما لا يخفى وأما ما ذكره في بيان عدم مخالفة أبي حنيفة والأوزاعي للقرآن من أن النصوص لا يدل على الوجوب لأن القيام لأجل الصلاة ليس بنص في وجوب النية مدفوع باب المصنف لم يقل أنهما خالفا نص القرآن حتى يتوجه عليه أن الآية ليست بنص في ذلك بل محتمل وإنما قال إنهما خالفا القرآن أي ظاهره ومخالفة ظاهر القرآن واحتماله الراجح أيضا بلا قيام مانع معبر يعتد به في معرض البطلان أيضا قال في اللغيرة؟؟ من كتب الحنفية البناء على الظاهر واجب حتى يتبين خلافه خصوصا فيما لا يمكن الوقوف على حقيقة الحال انتهى وإنما قلت أن ظاهر الآية وجوب النية في الوضوء إذ المتبادر منها على وجه ذكره المصنف وجوب غسل الوجه وغيره من الأعمال لأجل الصلاة وقصد التوسل إليها واستباحتها كما في قولك إذا أردت ملاقاة الأمير البس ثوبك وإذا أردت الصيد فاركب وإذا أردت الإفادة فاجلس فإن سياق مثل هذا الكلام بدل بحسب العرف على أن المراد من الأمر المذكور في الجزاء طلب الاتيان بالمأمور به بقصد حصول الشرط أي ألبس ثوبك لملاقاة الأمير واركب للصيد واجلس للإفادة وهدامهوم؟؟ النية نعم يتوجه أن النية ليس مجرد قصد الصلاة بل لا بد فيها من قصد القربة والوجوب أو الندب ويمكن أن يدفع بأنه إذا تبت وجوب بعض النية تبت وجوب مجموعها إجماعا تأمل وكذا الكلام في الآية الثانية فإن ظاهرها الدلالة على وجوب النية وتقرير الاستدلال برهانيا أن النية واجبة في الطهارات لأن الطهارات من العبادات وكل ما هو من العبادات يجب فيه النية أما الصغرى فلصدق تعريف العبادة عليها وهو حكم شرعي يكون الغرض الأهم الآخرة الكبرى فلأن الآية الكريمة دلت على وجوب انحصار عبادة الله تعالى في المخلصة وكل ما يجب أن يكون مخلصة لله تعالى يجيب فيه النية لأن الاخلاص هو أن يخص المعبود بالعبادة ولا يشركه مع غيره في الطاعة وهو لا يتحقق بدون القصد والإرادة التي هي النية إذ هي إرادة إيجاد الفعل المطلوب شرعا على وجه تأمل وأما ثانيا فلأن ما نقله عن بعض أئمة الحنفية في الجواب عن استدلال المصنف بالحديث مدخول بأن الحديث قد تضمن نفي العمل بدون النية وليس المراد نفي حقيقة العمل إذ لا شك في وجود حقيقة العمل بدونها فلا بد من تقدير ما يتعلق النفي به والمقدر في مثل هذا التركيب بالنظر إلى العرف الشرعي ونفي الصحة نحو لا صلاة إلا بطهور وبالنظر إلى استعمال اللغة هو نفي الفايدة مثل لا علم إلا ما نفع فبالنظر إلى الشرع معنا ولا صحة لعمل بدون النية وبالنظر إلى اللغة لا فايدة فيه بدونها وإذا لم يصح العمل ولا يترتب الأجر والثمرة بدون النية فلا بد من النية إذ العاقل المختار لا يعمل إلا لأجل الصحة والثمرة ومع قطع النظر عن الشرع واللغة مثل هذا التركيب احتمل نفي الفضيلة ونفي الصحة لكن تقدير نفي الصحة أولى من تقدير نفي الفضيلة لأن نفي الصحة أقرب إلى مدلول التركيب بحسب الحقيقة الآن المدلول الحقيقي للتركيب المذكور نفي الذات وهو يوجب نفي جميع الصفات ونفي صحة الشئ أقرب إلى عدم ذلك الشئ من نفي الفضيلة لأنه إذا لم يكن صحيحا يكون كالعدم لأنه لا يكون معتدا به بخلاف ما إذا انتفى الفضيلة فكان نفي الصحة أقرب إلى الحقيقة المتعذرة التي هي نفي الذات فتدبروا ما ثالثا فلأن قوله هذا استبعاد مسلم لكنه استبعاد لأمر بعيد عن الشرع عند العقل السليم عن الآفة على حد ما سيجئ إن شاء الله تعالى من استبعاد القفال المروزي الشافعي عن أقل ما يجوز في مذهب الحنفي من الصلاة المختمة بالضرط بدل السلم والجواب الجواب وأما رابعا فلأن قوله ولا يلزم أن يكون الشرع موافقا لعقله الناقص مجاب بأن ثبت العرش ثم أنقش فإن الشرع لم يعوض على رأي الحنفي الجاهل وأين من أدلة الشرع ما يدل على تأثير هذا الأمر الاتفاقي الخالي عن القصد والنية في صحة الصلاة مع ما عهد عن الشارع من اعتباره القصد والنية في الأعمال في الجملة فعلم أن الحكم المذكور ناش من قياساتهم الفاسدة واستحسانات عقولهم الناقصة فلا محالة يستبعده العقول الكاملة ويتعجب منه الأفهام الصايبة قال ابن حزم وهو من أهل السنة كما مر أن من العجب أن يكون الحنفيون والمالكيون يجيزون الوضوء للصلاة والغسل من الجنابة بغير نية أو بنية التبرد وفيهم من يجوز صوم رمضان بنية الافطار وترك الصوم وكلهم يجيزه بنية التطوع ويجزيه عن فرضه ونبيه الفطر إلى زوال الشمس فيبطلون النيات جملة حيث أوجبه الله تعالى ورسوله ثم يوجبونها عند الايتمام يقولون لا يجوز أن يختلف نية الإمام والمأموم فلا يصلي المفترض المتنفل ولا المتنفل بمفترض ولا صلاة فرض خلف من يصلي فرضا أخرى وفي المالكين من يجزي عنده غسل الجمعة ودخول الحمام من غسل الجنابة فيسقطون النية حيث هي فرض ثم يوجبونها حيث لم يوجبها الله تعالى ورسوله ص انتهى وأما خامسا فلأن ما أشار إلى رده بقوله وأما ما ذكره
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»