إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٣٨
لا يجري فيها القياس انتهى فنقول إذا فرضنا وقوع حادثة من باب الحدود والديات أو الشروط والأسباب ولم يتقرر حكمه في الكتاب والسنة والاجماع فأما أن يقول الناصب بجريان القياس فيه فهو خلاف المذهب المختار لجمهور أصحابه وإما أن يقول بعدم الجريان فيلزم قصور الشرع عن مصالح العباد فلا بد له من ترك متابعة أول من قاص والتماس اجتماع الناس على موالاة إمام الجنة والناس لينالوا بظهوره بركات تلك الأنفاس ويزول عنهم غياهب الشبهة والالتباس لكن شتان بين ذلك وبين الاهواس الذي زينها لهم الخناس الذي يوسوس في صدور الناس وإنما أطنبنا في هذا المقام إرغاما للشيطان الرجيم وإقلاعا عن باطله الذميم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال المصنف رفع الله درجته البحث التاسع في الاستحسان ذهبت الإمامية وجماعة تابعوهم إلى المنع من العمل بالاستحسان وخالف فيه الحنفية وهو خطأ لأن الأحكام خفية على العقلاء والمصالح التي هي عللها خفية أيضا وربما كان الشئ مصلحة عند الله ويخفى عنا وجه المصلحة فيه كعدد الركعات ومقادير الحدود وغير ذلك مع أن القول بذلك تقديم بين يدي الله ورسوله وقد قال الله تعالى ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله وحكم بغير ما أنزل الهل وقد قال الله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وأكد ذلك في آية أخرى بقوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون وأكدهما بآية ثالثة فقال ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون كل ذلك لعلمه تعالى بخروج عباده عن طاعته وعدم امتثال أوامره انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول الاستحسان من الدباليل؟؟ الغير المتفقة عليها وذهب إلى جواز العمل به أبو حنيفة وما ذكر من الدليل على بطلان الاستحسان أن الأحكام خفية والمصالح التي يبنى عليها الأحكام أيضا خفية فنقول إن أراد أن كل الأحكام حاله كذلك فهذا يناقض ما سبو؟؟
من مذهبه أن وجه بعض الأحكام والجهة لمحسنة فيه ضروري معلوم بالسيهة كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار وإن أراد أن بعض الأحكام كذلك فلم لا يجوز العمل بالاستحسان في ذلك البعض وأما ما ذكر أن القول بذلك من باب التقديم بين يدي الله ورسوله فذلك غير وارد لأن العامل بالاستحسان لا يأخذ الاستحسان من العقل بل من الشرع فلا يكون تقديما بين يدي الله ورسوله ولا يكون حكما بخلاف ما أنزل الله حتى يدخل في وعيد الذين قيل فيهم ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون انتهى وأقول لا يخفى أن بناء كلام المصنف في إبطاله للاستحسان على تفسيرهم إياه تارة بأنه مذهب لا دليل عليه وأخرى بأنه معنى خفى تضيق العبارة عنه وبالنظر إلى هذين المعنيين أيضا رد عليه الشافعي فقال من استحسن فقد شرع وقال الغزالي في المنحول أن المعنى الأول كفر من قائله وممن يجوز التمسك بلا حاجة إلى دليل والمعنى الثاني هوس فإن معاني الشرع إذا لاحت في العقول انطلقت الألسن بالتعبير عنها فما لا عبارة عنه لا يعقل انتهى كلامه ويدل على إرادة أبي حنيفة لأحد هذين المعنيين المتقاربين دون ما تكلفه له بعض المتأخرين من أصحابه ما يجئ من الفرع العجيب الذي سماه استحسانا حيث قال يجب الحد على من شهد عليه أربعة بالزنا في أربع زوايا كل يشهد على زاوية وقال لعله كان يتزحف بزينة واحدة في الزوايا قال الغزالي وأي استحسان في سفك دم مسلم بمثل هذا الخيال مع أنه لو خصص كل واحد شهادته بزمان وتفاوتت الأزمنة واحتمل استدامة الزنا لأحد وذلك أغلب في العرف من شغل زوايا البيت بزناء واحد انتهى وعلى هذا يضمحل جميع ما ذكره الناصب في دفع الإبطال وأما ما ذكره من الترديد فمردود أيضا بأنا نختار الشق الثاني ونقول قد ثبت أن أبا حنيفة لم يكن بعمل في استحسانه بالحسن والقبح العقليين حتى يغدر عند الشيعة بل كل يعمل ببديهة وهمه لا ببديهة عقله كما يدل عليه ما سبق من تفسير الاستحسان وأما ما ذكره من أن العامل بالاستحسان لا يأخذ الاستحسان من العقل بل من الشرع ففيه أنه لو كان كذلك لما رد عليه الشافعي بقوله من استحسن فقد شرع ومعناه على ما في الشرح العضدي على أصول ابن الحاجب أن من أثبت حكما بأنه مستحسن عنده من غير دليل من قبل الشارع فهو كفرا وكبيرة انتهى وهذا الرد بهذا المعنى صريح في أن أبا حنيفة بنى ذلك على استحسان الطبع دون العقل والشرع رغما لهذا الناصب الذي ضاق له الذرع وابتلى من العصبية بالسرسام؟؟ والصرع واختل كلامه في الأصل والفرع قال المصنف رفع الله درجته البحث العاشر في الاجتهاد ذهبت الإمامية وجماعة تابعوهم إلى أن النبي (ص) لم يكن متعبدا بالاجتهاد في شئ من الأحكام خلافا للجمهور لقوله تعالى وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي أن اتبع إلا ما يوحى إلي ولأنه لو كان مجتهدا في الأحكام لجاز لنا مخالفته للإجماع على أن حكم الاجتهاد ذلك ومخالفته حرام بالإجماع ولأن الاجتهاد قد يخطي والخطأ من النبي (ص) عندنا محال على ما تقدم في العصمة خلافا لهم ولأنه لو كان متعبدا بالاجتهاد لما أخر الأجوبة عن المسايل الواردة عليه حتى يأتيه الوحي لأنه تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو محال ولأنه لو كان متعبدا بالاجتهاد لزم أن يكون مرتكبا للحرام والتالي بط فالمقدم مثله وبيان الملازمة أن الاجتهاد يفيد الظن والوحي يفيد القطع والقادر على الدليل القطعي يحرم عليه الرجوع إلى الظن بالإجماع ولأنه لو كان متعبدا بالاجتهاد لنقل لأنه من أحكام الشريعة ومن الأدلة العامة ولأنه لو كان متعبدا بالاجتهاد لنقل اجتهاده في كثير من المسايل والتالي بط فالمقدم مثله انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ذهب علماء السنة إلى أن النبي (ص) كان يجوز له الاجتهاد في بعض الأحكام وذلك لكونه قادرا على الاستنباط من أحكام الله تعالى ولا مانع له من ذلك واستدل هذا على عدم جوازه بوجوه الأول بالآيات الدالة على وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى وبعدم النطق عن الهوى وبعدم جواز التبديل له من عند نفسه والجواب أن الآيات لا تدل على عدم جواز الاجتهاد لأن المجتهد يحكم بما أنزل الله لأن حكم الله إما مصرح أو مستنبط مما صرح به والاجتهاد من هذا القسم فهو حكم الله الثاني عدم جواز مخالفته مع الاجماع على جواز مخالفة المجتهد والجواب أن هذا الجواز في مجتهد لا يكون صاحب الشرع فإن ما حصل من الاجتهاد هو النص فكيف يجوز مخالفته الثالث جواز الخطأ على المجتهد بخلافه عليه الصلاة والسلام والجواب ما سبق أن هذا في مجتهد لا يكون قوله نصا ومن كان قوله نصا فلا يجوز أن يحكم عليه بالخطأ الرابع تأخير الأجوبة من المسايل ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة والجواب ربما يكون التأخير لعدم حصول شرايط الاجتهاد والاشتغال بغيره من
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»