إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٤١
وأما ثالثا فلأن تعصب هذا الجاهل لأبي حنيفة في إصلاح فتواه نفخ من غير ضرام فإن أصحابه من الشافعية موافقون مع المصنف في فهمهم من النبيذ الذي ذهب أبو حنيفة إلى جواز الوضوء منه ما ذكره المصنف ولهذا حكى القول نظام الدين الاصفهاني الشافعي شارحها المنهاج في بحث الأخبار من شرحه عن الشافعي أنه قال أقبل شهادة الحنفي إذا شرب النبيذ واحد وانتهى إذا الظاهر منه أنه أراد ذلك النبيذ المتغير المسكر الذي جوزوا الوضوء به والشرب منه وقال الطيبي الشافعي في شرح المشكاة أن الحديث قد رواه ليلة الجن أبو زيد عن ابن مسعود أنه ص أخذ ذلك النبيذ منه وهو مجهول وقد صح عن علقمة عن ابن مسعود أنه قال لم أكن ليلة الجن مع رسول الله ص وأن ثبت فلم يكن ذلك نبذا متغيرا بل كان ماء معدا للشرب نبذ فيه تمرات ليجذب ملوحته انتهى فإن قوله لم يكن نبيذا متغيرا صريح في أن أبا حنيفة أراد جواز الوضوء بالنبيذ المتغير وهو شامل للمطبوع كما لا يخفى وأما رابعا فلأن ما ذكره من أن شرط كونه مطبوخا من مخترعات المصنف فمردود بأن فخر الدين الرازي قد نسب نقل هذا الاشتراط في رسالته المعمولة لبيان تفصيل مذهب الشافعي إلى الكرخي من أصحاب أبي حنيفة فارجع إليها ويكن أن يق لو سلم عدم الاشتراط فيمكن أن يكون كلمة إذا في قول المصنف إذا كان مطبوخا متمخصة؟؟ في معنى الوقت والحال أي جوز ذلك في هذا الحال ولم يرد به الشرطية حتى يتوجه أنه اختراع وإنكار تجويزه لذلك مردود وربما مرو بما ذكره مؤلف لهداية في فقه الحنفية حيث قال وإن غيرته النار فما دام حلوا فهو على هذا الخلاف وإن اشتد فعند أبي حنيفة يجوز التوضئ به لأنه يحل شربه عنده وعند محمد لا يجوز التوضئ به لحرمة شربه عنده انتهى وقال صاحب الينابيع وعنده أي عند أبي حنيفة يجوز بنبيذ التمر في السفر عند فقد الماء وإن طبخ واشتد لقوله ص تمرة طيبة وماء طهور ثم أورد عليه بقوله قلنا راويه مطعون فيه وأيضا صاحب القصة أنكرها وأيضا لعله قبل التغيير انتهى وقال ابن حزم أن القول بتخصيص عصير العنب ونبيذ الزبيب بالتحريم ما لم يطبخا دون ساير الأنبذة والعصير قد صح عن أبي حنيفة وهو الأشهر عنه إلا أنه لا يعتمد مقلدوه عليه ولا يشتغلون بنصره ولا نعلم له أيضا حجة أصلا إلا من قرآن ولا من سنة ولا رواية ضعيفة ولا دليل ولا إجماع ولا قول صاحب ولا رأي ولا قياس فسقط ولله الحمد انتهى على أنه يكفي في الشناعة على هذا الفتوى مجرد كون ذلك النبيذ حلوا موجبا لهجوم الذباب ونحوه على مستعمله والتزاق الجبهة والكفين والرجلين المغسولين في مذهبهم على مساجد الصلاة وغير ذلك من المفاسد ولنعم ما قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في رسالة الموسومة بمغيث الخلق في تفضيل مذهب الشافعي من أن من عمل بمذهب أبي حنيفة وتوضأ بنبيذ التمر فقد جعل نفسه شهرة للعالمين ونكال الخلق أجمعين سيما في الصيف الحار انتهى وأما خامسا فلأن ما ذكره من أن الآيات غير واردة على أبي حنيفة لأن رخص في استعمال النبيذ عند فقدان الماء فهو في حكم التراب اه مدخول بأن مدلول الآيات صغرى القياس البرهاني الاقتراني الذي قصد الص الاستدلال به على مطلوبه والكبرى مطوية لظهورها وحاصل الاستدلال إن قرر على هيئة الشكل الأول كل مطهر للحدث ماء ولا شئ من الماء بنبيذ وإن قرر على هيئة الثاني يقال كل مطهر للحدث ماء ولا شئ من النبيذ بماء وإن قرر على الثالث يقال المطهر للحدث ماء ولا شئ من المطهر للحدث بنبيذ وإن قرر على الرابع يق أنه تعالى جعل الماء مطهر والنبيذ ليس بماء فلا يكون مطهرا فهو دليل صحيح ونارد؟؟ فما أورده عليه النصاب المارد بارد كما لا يخفى أن قيل التراب أيضا ليس بماء فلا يكون مطهرا بل نقول أنه ليس بمطهر اتفاقا فلا يجوز الصلاة به قلنا نص الآية الأخرى جعله بدلا عن الماء في الطهارات فلا يجوز العدول عنه إلى النبيذ بلا نص من الشارع وبالجملة قوله تعالى فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا قد عدل فيه سبحانه وتع من الماء عند عدمه إلى التيمم فلا يجوز أن يتخللهما شئ وأيضا يرد عليه إيمان أراد بما ذكره فإن رخصه أبي حنيفة في استعمال النبيذ عند فقدان الماء يوجب أن يكون حكم النبيذ حكم التراب في نفس الأمر وعند الشارع فهو من سخايف الأوهام وإن أراد أن حكمه بذلك يوجب كون النبيذ في حكم التراب عند أبي حنيفة نفسه فهذا من العنديات المحضة التي لا يلتفت إليها والتحقيق أن أبا حنيفة وأكثر أصحابه كانوا يقولون بحل شرب النبيذ المسكر والوضوء منه نبذ الحكم الكتاب وتقليد المعمر بن الخطاب كما صرح به ابن حزم في باب فعل المريض فيما له حيث قال الحنفيون قلدوا عمر في تأجيل العنين وفيما ادعوا عليه من شرب النبيذ المسكر انتهى فعلم أن أصل الفتوى والدليل غير ما أظهره متأخروهم في كتبهم والظاهر أنهم غيروا ذلك بعد ما نبههم علماء الشيعة على شناعته ولنختم هذا المقام بما روي عن مولانا علي بن الحسين (ع) وهو أنه سئل (ص) عن النبيذ فقال قد شربه قوم وحرمه قوم صالحون فكان شهادة الذين دفعوا بشهادتهم شهواتهم أولى أن يقبل من الذين جروا بشهادتهم شهواتهم قال المصنف رفع الله درجته ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز الوضوء بماء مطلق طاهر وإن تغير شئ من أوصافه بالأجسام الطاهرة كقليل الزعفران ويسير العود وقال الشافعي أنه لا يجوز وهو مخالف لعموم القرآن وللحرج العظيم إذ لا ينفك الماء عن تغيير يسير بواسطة تراب أو طحلب وأي فارق بين اللازم وغيره انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يجوز الوضوء بالماء المتغير بالتغيير اليسير بالمستغنى عنه كالزعفران وأمثاله أو الكثير بالمجاورة أو بما يعسر صون الماء منه أو بطول المكت؟؟ أو بالتراب ما لم يسم طينا والحاصل أن الماء ما لم يقع عن اسم الماء المطلق ولا يضاف إلى الممتزج مثل أن يق هذا ماء الزعفران فهو طهور هذا هو المذهب فما ذكران الوضوء بالمتغير باليسير بالمستغنى عنه لا يجوز عند الشافعي فهو من مفترياته وجهله بمذاهب الأئمة بل بمذهبه وما أحسن أن يق له عند معارضة للشافعي أطرق كرا؟؟ أن النعامة في القرى ثم ما ذكر أنه أي فرق بين اللازم وغيره فبط؟؟ لأن المستغنى عنه ليس كغير المستغنى عنه انتهى وأقول قال النووي الشافعي في كتاب الروضة أن المتغير تغيرا يسيرا بما استغنى عنه كالزعفران فالأصح أنه طهور انتهى ويفهم من قوله الأصح أن ههنا قولا آخر للشافعي أو أحد أصحابه فيمكن أن يكون قطر المصنف إلى ذلك القول فلا فرية ولو تبع فارغ كتب الشافعية لربما وجد ما هو أصرح من ذلك وإنما نقل ما نقله الناصب ههنا وفيما بعد عن كتاب الأنوار الذي ألفه بعض متأخري الشافعية مقصرا فيه على ما تقرر
(٣٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 346 ... » »»