إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٣٦
أنه لا يجوز استعمالهما ما دام يوجد نص وقد شهد الله تعالى بأن النص لم يفرط فيه شيئا وأن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قد بين للناس كل ما نزل إليهم وأن الدين قد كمل فصح أن النص قد استوفى جميع الدين فإن ذلك كذلك فلا حاجته بأحد إلى قياس ولا إلى رأيه ولا إلى رأي غيره ويسأل من قال بالقياس هل كان قياس قاسم قايس حق أم منه حق ومنه باطل فإن قال كل قياس حق أحال لأن المقاييس يتعارض ويبطل بعضها بعضا ومن المحال أن يكون الشئ وضده من التحليل والتحريم حقا معا وليس هذا مكان نسخ ولا تخصيص كالأخبار المتعارضة التي ينسخ بعضها بعضا ويخص بعضها بعضا وإن قال قايل منها حق ومنها بط قيل له فعرفنا بماذا يعرف القياس الصحيح من الفاسد ولا سبيل لهم إلى وجود ذلك أبدا وإذا لم يوجد دليل على تصحيح الصحيح من القياس من الباطل منه فقد بطل كله وصار دعوى بلا برهان فإن ادعوا أن القياس من البط قد أمر الله عز وجل به سئلوا أين وجدوا ذلك فإن قالوا قال الله عز وجل فاعتبروا يا أولي الأبصار قيل لهم أن الاعتبار ليس هو في كلام العرب الذي نزل به القرآن إلا التعجب قال عز وجل وإن لكم في الأنعام لعبرة أي تعجبا وقال الله تعالى لقد كان في قصصهم عبرة أي عجب ومن الباطل أن يكون معنى الاعتبار القياس ويقول قيسوا ثم لا يبين ماذا نقيس ولا كيف نقيس ولا على ما ذا نقيس وهذا ما لا سبيل إليه لأنه ليس في وسع أحد أن يعلم شيئا من الدين إلا بتعليم الله تعالى له إياه على لسان رسوله ص وقد قال تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فإن ذكروا أحاديث وآيات فيها تشبيه شئ بشئ وأن الله تعالى قضى وحكم بأمر كذا من أجل أمر كذا قلنا لهم كل ما قاله الله عز وجل ورسوله ص من ذلك فهو حق لا يحل لأحد خلافه وهو نص به تقول وكل ما تريدون أنتم أن تشبهوه في الدين أو أن تعللوا بما لم ينص عليه الله تعالى ولا رسوله (ص) فهو باطل وإفك وشرع لم يأذن الله تعالى به وهذا يبطل عليهم تمويههم بذكر آية جزاء الصيد أرأيت لو مضمضت ومن أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل وكل آية وحديث موهوا بإيراده وهو مع ذلك حجة عليهم على ما قد بيناه في كتاب الأحكام لأصول الأحكام وفي كتاب النكت وفي كتاب الدرة وفي كتاب النبذ قال أبو محمد وقد عارضناهم في كل قياس قاسوه بقياس مثله وأوضح منه على أصولهم لنريهم فساد القياس جملة فرأيتهم يموهون بأن قالوا أنتم ذابا تبطلون القياس بالقياس وهذا منكم رجوع إلى القياس واحتجاج به وأنتم في ذلك بمنزلة المحج بحجية العقل ليبطل حجة العقل وبدليل من النظر ليبطل به النظر قال أبو محمد قلنا هذا شغب سهل الفناء ولله الحمد ونحن لم نحتج بالقياس في إبطال القياس ومعاذ الله من هذا لكن أريناكم أن أصلكم الذي أثبتموه من تصحيح القياس يشهد بفساد جميع قياساتكم ولا قول أظهر بطلانا من قول من أكذب نفسه يقينا وقد نص الله تعالى على هذا فقال وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم فليس هذا تصحيحا لقولهم أنتم أبناء الله وأحباءه ولكن الزاما لهم ما يفسد به قولهم ولسنا في ذلك كمن ذكرتم ممن يحتج في إبطال حجية العقل بحجة العقل لأن فاعل ذلك يصحح القضية العقلية التي يحتج بها فظهر تناقضه من قرب ولا حجة له غيرها فقد ظهر بطلان قوله وأنتم فلم نحتج قط في إبطال القياس بقياس فصححه لكن نبطل القياس بالنصوص وببراهين العقل ثم نزيد بيانا في فساد منه نفسه بأن نرى تناقضه جملة فقط والقياس الذي نعارض به قياسكم نحن نقر بفساده وبفساد قياسكم الذي هو مثله أو أضعف منه كما نحتج على كل أول مقالة من معتزلة ورافضة ومرجئة وخوارج ويهود ونصارى ودهرية من أقوالهم التي يشهدون بصحتها فنريهم تفاسدها وتناقضها و أنتم تحتجون معنا عليهم بذلك ولسنا نحن ولا أنتم ممن يقر بتلك الأقوال التي نحتج عليهم منها بل هي عندنا في غاية البطلان والفساد كاحتجاجنا على اليهود والنصارى من كتبهم التي بأيديهم ونحن لا نصححها بل نقول لهم إنها محرفة مبدلة لكن لنريهم تناقض أصولهم وفروعهم لا سيما وجميع أصحاب القياس مختلفون في قياساتهم لا تكاد توجد مسألة إلا وكل طائفة منهم يأتي بقياس يدعي صحته تعارض به قياس الآخرين وهم كلهم مقرون مجمعون على أنه ليس كل قياس صحيحا ولا كل رأي حقا فقلنا لهم هاتوا حد القياس الصحيح والرأي الصحيح الذي به يتميزان من القياس الفاسد والرأي الفاسد وهاتوا حد العلة الصحيحة التي لا يقيسون إلا عليها لتمييز من العلة الفاسدة فلجلجوا وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد وهذا مكان اذرم؟؟ عليهم فيه ظهر فساد قولهم جملة ولم يكن لهم إلى جواب يفهم سبيل أبدا وبالله تعالى التوفيق فإن أتوا في شئ من ذلك بنص قلنا النص حق والذي تريدون أنتم اضافته إلى النص بآرائكم باطل وفي ذلك خولفتم فإن ادعوا أن الصحابة رض عنهم أجمعوا على القول بالقياس قيل لهم كذبتم بل الحق أنهم أجمعوا على إبطاله وبرهان كذبهم أنهم لا سبيل لهم إلى وجود حديث عن أحد من الصحابة رض عنهم أنه أطلق الأمر بالقول بالقياس أبدا إلا في الرسالة المكذوبة الموضوعة على عمر رض وإن فيها واعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور وهذه الرسالة لم يروها إلا عبد الملك بن سعدان عن أبيه وهو ساقط بلا خلاف وأبوه أسقط منه أو من هو مثله في السقوط فكيف وفي هذه الرسالة نفسها أشياء خالفوا فيها عمر رض منها قوله فيها والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حدا وظنينا في ولاء أو نسب وهم لا يقولون بهذا يعني جميع الحاضرين من أصحاب القياس حنفيهم وشافعيتهم فإن كان قول عمر لو صح في تلك الرسالة في القياس حجة فقوله في أن المسلمين عدول كلهم إلا مجلودا في حد حجة وإن لم يكن قوله في ذلك حجة فليس قوله في القياس حجة لو صح فكيف ولم يصح وأما برهان صحة قولنا في إجماع الصحابة رض عنهم على إبطال القياس فإنه لا يختلف اثنان في أن جميع الصحابة مصدقون بالقرار وفيه اليوم أكملت لكم دينكم وفيه فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فمن الباطل المحال أن يكون الصحابة رض عنهم يعلمون هذا ويؤمنون به ثم يردون عند التنازع إلى قياس أو رأي هذا ما لا يظنه بهم در عقل فكيف وقد ثبت عن الصديق رض عنه قال أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في آية من كتاب الله برأيي وبما لم علم وصح عن الفاروق رض أنه قال اتهموا الرأي على الدين وأن الرأي منا هو الظن والتكلف وعن عثمان رض في فتيا أفتى بها إنما كان رأيا رأيته من شاء أخذه ومن شاء تركه وعن علي رض عنه لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وعن سهل بن حنيف رض أنه قال أيها الناس اتهموا آرائكم على دينكم وعن ابن عباس رض عنه من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من جهنم وعن ابن مسعود رض عنه سأقول فيما يجهل بما أرى فإن كان صوابا فمن الله عز وجل وحده وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله برئ وعن معاذ بن جبل في حديث يبدع كلاما ليس من كتاب الله عز وجل ولا من سنة رسول الله ص فإياكم وإياه فإنه بدعة وضلالة فعلى هذا النحو كل ما روي عن بعض الصحابة رض لا على أنه إلزام ولا أنه حق لكنه إشارة بعفو أو صلح أو تبرع فقط لا على سبيل الايجاب
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»