إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٢٧
ولم يوجد في حق الزوجات ولأن دخولهن في الخطاب ممتنع لاقتضاء نص الآية عصمة المخاطبين وامتناع العصمة في حقهن فتذكروا ما ما ذكره من الآية المحرفة عما في سورة الأنفال وحكمه على كونه مماثلا لما استدل به المصنف من آية التطهير ففيه دليل واضح على كفره وإلحاده وتشبهه باليهود في تحريف الكلم وجرأته على الله تعالى وبغضه للنبي ص وأهل بيته عليهم السلام فإنه قاتله الله بدل متعلق الجار في آية الأنفال وهو قوله وينزل عليكم من السماء ماء بقوله يريد الله ثم بدل الرجز في الآية التي حرفها بالرجس ليتيسر له دعوى المماثلة بين الآيتين ولهذا أيضا حذف لفظ به في قوله تعالى ليطهركم به في آية الأنفال وإنما بدل متعلق الجار في قوله ليطهركم من سورة الأنفال وهو قوله وينزل عليكم من السماء ماء لأنه لو ذكره لتفطن الناظر ولو كان قاصرا بالاختلاف بين الآيتين وعلم أن الطهارة المذكورة في آية الأنفال طهارة مائية سمائية والمذكورة في الآية الأخرى طهارة روحانية أسمائية وحذف صدر الآية أيضا لئلا يفهم الناظران نزول ذلك في واقعة مخصوصة وأن المراد منها شئ أخر والحاصل أن الآية الأنفال نزلت في غزاة بدر وتمام الآية إذ يغشيكم الناس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام الآية وقد ذكر الفاضل النيشابوري في تفسيره موافقا لغيره من المفسرين إن قوله تعالى إذ يغشيكم بدل ثان من إذ بعدكم أو منضور بالنصر أو بما في عند الله من معنى الفعل أو بما جعله الله أو بإضمار اذكروا منه مفعول لأجله ومنه صفة لها أي أمنة حاصلة لكم من عند الله والمعنى إذ ينغشون لأمنكم أو يغشيكم النعاس فتغشون أمنا ومن نعم الله تعالى أنزل المطر عليهم في تلك الواقعة وكان فيه فوايد أحدها تحصيل الطهارة والثانية إذهاب رجز الشيطان وقيل هو الجنابة التي أصابهم لأنها من تخييل الشيطان وقيل المني لأنه شئ مستخبث مستقذر وعلى هذا يكون في الآية دلالة على نجاسة المني لقوله والرجز فاهجر وقيل المراد وسوسة الشيطان إليهم وتخويفه إياهم من العطش وذلك أن المشركين سبقوهم على الماء ونزل المؤمنون في كثيب اعقر تسوخ فيه الأقدام على غير وضوء وعلى الجنابة قد عطشوا فقال لهم الشيطان لو كنتم يا أصحاب محمد على الحق لما غلبكم هؤلاء على الماء بحيث عطشتم وصليتم على جنابة وما ينتظرون بكم إلا أن يجهدكم العطش فإذا قطع العطش اساءكم مشوا إليكم فقتلوا من اجتوا وساقوا بقيتكم إلى مكة فحزنوا حزنا شديدا واستسقوا فأنزل الله تعالى لمطر فمطروا ليلا حتى جرى الوادي واتخذ أصحاب رسول الله ص الحياض على عدوة الوادي وسقوا الركاب وملأوا الأسقية واغتسلوا وتوضأوا وتلبد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام الصبر في مواطن القتال وذلك لأن من كان قلبه ضعيفا فر ولم يقف فلما ربط الله على قلوبهم فهي قواها فثبتت أقدامهم روى أن المطر نزل على الكافرين أيضا ولكن الموضع الذي نزل الكفار فيه كان موضع التراب فعظم الوحل وصار مانعا لهم من المشي والاستقرار وثبت الأقدام فدل مفهومه على أن حال الأعداء كان بخلاف ذلك انتهى وقال المصنف رفع الله درجته البحث الثالث الخبر وهو إما متواتر أو آحاد أما المتواتر فإنه يفيد العلم بالضرورة فأنا نجد العوام يجزمون جزما ضروريا لا يحتاجون فيه إلى الاستدلال بوجود محمد ص ووجود بقراط وغيره وقد ذهب قوم من الجمهور إلى أن العلم به نظري وهو خطأ وإلا لزم توقف ألزم على ذلك الدليل ومن المعلوم بالضرورة عدمه ولا حصر للمتواتر في عدد لعدم انضباطه معه وقال بعض الجمهور يحصل التواتر بقول خمسة وقال بعضهم بقول اثني عشر وقال بعضهم أربعون وقال آخرون سبعون والصحيح خلاف ذلك كله فقد لا يحصل العلم إلا مع الأزيد و قد يحصل مع الأقل وأما الآحاد فإنه يفيد الظن وقال بعض الجمهور يفيد العلم باعتبار انضمام قراين إليه وهو مذهب أحمد بن حنبل والضرورة قاضية ببطلانه لأدائه إلى تناقض المعلومين عند أخبار اثنين ولا يقبل رواية الفاسق لقوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أوجب التبين عند إخبار الفاسق وإذا كان شرط القبول انتقاء الفسق وثبوت العدالة لم يقبل رواية مجهول الحال لأن الجهل بالشرط مستلزم للجهل بالمشروط وقال أبو حنيفة يقبل روايته وهو خطأ لما تقدم انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول مذهب الشافعي أن الخبر المتواتر يفيد العلم اليقيني بالضرورة بلا استدلال ووافق الشافعي الشيعة في هذا المقام كما ذكره وأيضا مذهب الشافعي أن العدد الذي يحصل به التواتر غير منحصر ولكن لا بد من حصول عدم يجزم العقل بعدم تواطؤهم على الكذب وهذا قد يحصل بالعدد القليل وقد لا يحصل بالعدد الكثير فلا حصر لعدد التواتر وأما أن خبر الآحاد يفيد الظن فهذا مذهب الشافعي وأما قوله أن الضرورة قاضية ببطلان قول أحمد بن حنبل لأدائه إلى تناقض المعلومين فهذا باطل لأن أحمد شرط انضمام القراين إليه إلى أن يفيد العلم وربما لم يكن لأحد الخبرين المعلومين قراين منضمة يبلغه إلى حد اليقين فلا تناقض وأما ما اعترض على أبي حنيفة أنه يقبل رواية مجهول الحال فيلزمهم الخطأ وذلك لأن الجهل بالشرط مستلزم للجهل بالمشروط فغير وارد عليه لأن المشروط في القبول انتفاء الفاسق بالنص لا ثبوت العدالة وظاهر العدالة إذا كان مجهولا بمعنى عدم كونه ثابت العدالة يصدق عليه أنه غير فاسق فيقبل روايته انتهى وأقول فيه نظر أما أولا فلأن ما نسبه المصنف إلى أحمد بن حنبل هو إفادة الخبر الواحد للعلم بلا اعتبار انضمام القراين إليه فإبطال الناصب لما أبطل به المصنف قول أحمد باطل ولعله كان في نسخة الناصب ثبات اعتبار القراين لا نفيه داخلا عليه كلمة لا كما هو الصحيح ولكنه مع ذلك غير معذور لأن مذهب أحمد على الوجه الذي ذكرناه مشهور وفي أكثر كتب الأصول مذكور فكان عليه تذكر المشهور أو الرجوع إلى الكتب من غير أن يقتصر على الرمي في الظلام ويحتمل احتمالا راجحا بالنظر إلى ما علم مرارا من خيانة الناصب بارتكاب الزيادة والنقصان أنه حذف كلمة لا عن عبارة المصنف ليتيسر له الاعتراض على المصنف وإلا فالفضول الذي يتصدى للتأليف في الأصول ومعارضة الفحول لا أقل من أن يطالع مثل المختصر ويعلم ما فيه من النقول فقد ذكر فيه وفي شرحه للعضد الابجي أنه قال أحمد في قول يحصل العلم به بلا قرينة ويطرد أي كلما حصل الخبر الواحد حصل العلم ثم استدل على خلافه بوجوه منها قوله ولنا أيضا لو حصل العلم به لأدى إلى تناقض المعلومين إذا أخبر عدلان بأمرين متناقضين فإن ذلك جايز بالضرورة بل واقع واللازم بط لأن المعلومين واقعان في الواقع وإلا كان العلم جهلا فيلزم اجتماع النقيضين انتهى وهو حاصل ما ذكره المصنف من الرد على أحمد كما لا يخفى وأما ثانيا فلأن ما أجاب به عن قبل أبي حنيفية
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»