إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٣١
مبنيا على القول بالحسن والقبح العقليين فلا وجه بعد القول بذلك لإنكاره لهذا على فقد أتممنا الدليل على ثبوت الحسن والقبح العقليين وبينا أن المنكر لذلك معزول عن العقل فتذكروا ما إنكاره لذهاب الأشاعرة إلى جواز نسخ الخبر بنقيضه فيدل على قصور رباعه وعدم اطلاعه على مذهب أصحابه وما أودعوه في كتبهم الأصولية فإن هذا مذكور في مختصراتهم كالمختصر والتحصيل فضلا عن المحصول والمنتهى والأحكام فلنذكر عبارة المختصر وشرحه العضدي لأنه أكثر تداولا وأقرب تناولا قال الكلام في نسخ الخبر وله صورتان أحدهما نسخ إيقاع الخبر بأن يكلف الشارع أحدا بأن يخبر بشئ من عقلي أو عادي أو شرعي كوجود الباري وإحراق النار وأيمن؟؟ زيد ثم ينسخه فهذا جايز باتفاق وهل يجوز نسخه بنقيضه بأن يكلفه بالإخبار بنقيضه المختار جوازه خلافا للمعتزلة مبناة صلهم في حكم العقل لأن أحدهما كذب فالتكليف به قبيح وقد علمت فساده انتهى وأما ما ذكره من أنا ذكرنا أن النسخ هو انتهاء الحكم الشرعي إن أراد به النسخ عند نفسه كذلك فلا يبال له وإن أراد أن عند الأشاعرة كذلك فكذبه ظاهر لمن اطلع على تعريفات القوم المذكورة في بحث النسخ من شرح المختصر وغيره هذا وقد بينا سالفا أن أجوبته السابقة ترهات وحبايل لا يقع فيها الأطفال الطريق أو من حرم نحوه من التوفيق وأما جوابه المختصر من الشعر فمعارض بأحسن منه وهو ما أقول شعر يا من ليفسط؟؟ في تقرير مذهبه بأن عن حكمه عقلا لمعزول رسول عقلك سيف يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول إن كنت تنكر حكم العقل في حسن وقلت القبح قبل الشرع مجهول فالحسن منك لفرط القبح مهروب والعقل منك الفرط الجهل معزول ترى النبي بذا مغلول فحام يده الاعجاز مما غالها غول قال المصنف رفع الله درجته البحث الثامن في القياس ذهبت الإمامية وجماعة تابعوهم عليه إلى أنه يمتنع العمل بالقياس لدلالة العقل والسمع أما العقل فلأنه ارتكاب لطريق لا يؤمن معه الخطأ فيكون قبيحا ولأن مبنى شرعنا على الفرق بين المتماثلات كإيجاب الغسل بالمنى دون البول وكلاهما خارج من أحد السبيلين وغسل بول الصبية وفضح بول الصبي وقطع السارق للقليل دون الغاصب للكثير وحد القذف بالزنا دون الكفر وتحريم صوم أول الشوال وإيجاب صوم آخر رمضان وعلى الجمع بين المختلفات كإيجاب الوضوء من الأحداث المختلفة وإيجاب الكفارة في الظهار والإفطار وتساوي العمد والخطأ في وجوبها ووجوب القتل بالزنا والردة وإذا كان كذلك امتنع العمل بالقياس الذي ينبئ عن اشتراك الشيئين في الحكم لاشتراكهما في الوصف ولأنه يؤدي إلى الاختلاف فإن كل واحد من المجتهدين قد يستنبط علة غير علة الآخر فيختلف أحكام الله تعالى ويضطرب ولا يبقى لها ضابط وقد قال الله لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول استدل في هذا المبحث على نفي جواز العمل بالقياس بالوجوه العقلية والنقلية أما النقلية فذكر أن مبنى شرعنا على الفرق بين المتماثلات والجمع بين المختلفات وهذا يوجب امتناع العمل بالقياس فنقول المماثلة فيما حكم الشارع فيه بالفرق والاختلاف فيما حكم بالجمع ممنوعان ولو كان كذلك لانتفى الحسن والقبح العقليان بناء على مذهبه لأنه يدعي أن الجهة المحسنة والجهة المقبحة في الفعل يقتضيان ترتب الحلية والحرمة وباقي الأحكام على الأفعال وإذا ثبت المماثلة واختلف الحكم بطل ما يدعيه فلا يمكن له الاستدلال بما ذكر بل الحق إن المماثلة التي يبطل حكم القياس غير متحققة فيما ذكر ثم إنه ذكر أنه يؤدي إلى الاختلاف فنحن نسلم هذا وقد قال رسول الله (ص) اختلاف أمتي رحمة ولكن هذا الاختلاف لا يؤدي إلى الاضطراب في أحكام الله تعالى فإن كون الحاصل بعد الاجتهاد والقياس حكم الله مظنون والعمل واجب بالظن فيعمل كل مجتهد على حسب ظنه ويتبعه المقلد فيتسع أمر الدين ويسهل الأحكام على الناس ولا اضطراب في حكم الله لما ذكرنا أن الحكم مظنون والاضطراب في الأحكام النصبية اليقينية يوجب الاضطراب والاختلاف الذي نفاه الله من القرآن بقوله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا انتهى وأقول فيه نظر من وجوه أما أولا فلأنه لم يتعرض لأول الدلايل العقلية التي ذكرها المصنف وهو ما أشار إليه بقوله فإنه ارتكاب طريق لا يؤمن معه الخطأ وأما ثانيا فلأنه إن أراد يمنع المماثلة فيما حكم الشارع فيه بالفرق ومنع الاختلاف فيما حكم بالجمع منع التماثل والاختلاف في نفس الأمر فهو لا يفيد إذ المقص أن الشارع ربما يفرق فيما هو في عقولنا محكوم عليه بالمماثلة لا في نفس الأمر فقياس العقل في مثل هذا قبل أن يطلع على ما في نفس الأمر وعند الشارع ربما يكون خطأ لبنائه على ما يترااى؟؟ من المماثلة عند العقل وإن أراد منع التماثل عند عقولنا فهو ظاهر البطلان إذ كثير مما خفى الجهة فيه ربما يترااى؟؟ مماثلا لغيره والحاصل أن كلامنا في أقيسة لا يعلم تماثل الفرع مع فيها في نفس الأمر إذ كل قياس علم الجامع فيه مثلا من قبل الشارع داخل في القياسين الدين وافق أصحابنا الإمامية غيرهم في جواز العمل بهما وهما ما كان منصوص العلة وما كان فيه التنبيه من الأدنى على الأعلى أو بالعكس ومن البين أن ما عدا ذلك مما لا يعلم الجامع فيه لا يورث القياس فيه ظنا يعتمد عليه في أحكام الشريعة لأن المصالح الشرعية خفية غالبا كما قررناه سابقا فجاز أن لا يكون ما هو مشترك في نظرنا منشأ مصلحة الشارع في شرعية الحكم وأما ثالثا فلأن ما توهمه من استلزام ما ذكر المصنف لانتفاء ما ذهب إليه من الحسن والقبح العقليين توهم ضعيف جدا لأنا معشر الإمامية وإن ادعينا أن الجهة المحسنة والمقبحة في الفعل تقتضيان ترتب الأحكام لكن لم ندع أن العقل مستقل بإدراك تلك الجهتين في جميع المواد بل قلنا إن بعض المواد إنما ينكشفان على العقل بعد ورود الشرع كما سبق تحقيقه وحاصل الكلام إن في هذا القسم الذي لا يستقل العقل بإدراك جهة الفعل في نفس الأمر يشكل القياس لا مط حتى يستلزم القياس لا مط حتى يستلزم الإشكال فيه الإشكال في القول بالحسن والقبح العقليين وأما ما ذكره من حديث اختلاف أمتي رحمة مرسل ضعيف عند نقاد أهل السنة وقال بعضهم أنه لا أصل له وقال بعضهم أنه ليس بمعروف عند المحدثين وإنما ذكره بعض الأصوليين في بحث القياس ولو سلم صحته فيحتمل أن يكون المراد بالاختلاف المذكور فيه ورود بعض من الأمة خلف بعض من المدن المتفرقة والأماكن المختلفة على رسول الله (ص) في وقته وعلى وصيه القائم مقامه من بعده فليسئلوا عن معالم دينهم ويستضيئوا فيما اشتبه
(٣٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 ... » »»