إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٢٨
مردود بأن المراد بالفاسق في الآية ليس المحكوم عليه بالفسق فقط كما زعمه الناصب وأوليائه حتى لا يصدق ذلك على مجهول الفسق لأن الآية قد نزلت باتفاق المفسرين في شأن الوليد بن عقبة حين ما بعثه النبي ص لأخذ صدقات بني المصطلق وكان بينه وبينهم أخته لما سمعوا به استقبلوه تعظيما لرسول الله ص فحسبهم مقاتليه فرجع قبل الملاقاة معهم وقال لرسول الله ص قد ارتدوا ومنعوا الزكاة فهم الرسول ص بقتالهم فنزلت الآية ومن البين أنه عند بعث النبي ص إياه لم يكن محكوما عليه بالفسق إذ يمتنع على النبي ص تفويض الأمور الشرعية وتولية الأعمال الدينية إلى من كان محكوما عليه بالفسق فتعين أنى كون المراد بالفاسق في الآية أعم من المحكوم عليه بالفسق وممن جهل فسقه وأيضا الظاهر المتبادر من التبيين المذكور في الآية استبانة حال من لم يعلم فسقه وأما من علم فسقه فلا يحتاج إلى التبيين فيه بل هو تحصيل للحاصل كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته البحث الرابع في الأمر والنهي ذهبت الإمامية وجماعة ممن وافقهم إلى أن الأمر يقتضي الإجزاء فإذا قال له صل عند الزوال ركعتين فصلاها خرج عن عهدة التكليف وقال جماعة من أهل السنة أنه لا يخرج بل يبقى مكلفا وهو خطأ لأنه إما أن يكون مكلفا بما كان قد فعله بعينه فيلزم تحصيل الحاصل مع أنه لا دليل على إيجاب إعادة عين ما فعله إذ الأمر إنما يقتضي إيقاع الفعل وقد حصل وإما أن يكون مكلفا بغيره فلا يكون الأمر الأول متناولا لصلاة ركعتين بل لا زيد وهو خلاف التقدير والأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده فإذا أوجب عليه صلاة ركعتين وحقيقة الوجوب هو الإذن في الفعل والمنع من الترك فهو حقيقة مركبة يستلزم وجودها وجود جزئيها فلا يتحقق الوجوب إلا مع النهي عن الضد وقال بعض أهل السنة لا يستلزم وهو خطأ لما تقدم وقال آخرون منهم أنه نفس الأمر وهو غلط للفرق الضروري بين قولنا أفعل وقولنا لا تترك والنهي عن الشئ لا يدل على صحته شرعا لأن النبي ص نهى الحايض عن الصلاة والصوم انتهى وقال الناصب أقول وافق الشافعي في هذه المسألة وهي أن الأمر يقتضي الإجزاء لأن الأمر إنما ورد ليخرج المكلف عن عهدة التكليف فإذا لم يكن المأمور به مجزيا عما ورد به الأمر فلا يحصل المقص من الأمر وهو الخروج عن عهدة التكليف ثم ما ذكره أن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده فهو مسلم إلا أن ما ذكره في معرض الاستدلال باطل لا فالانم؟؟ أن حقيقة الوجوب هو الإذن في الفعل والمنع من الترك بل حقيقة الوجوب هو العزم على الفعل ويلزمه المنع من الترك فلا يكون حقيقة مركبة يستلزم وجودها وجود جزءها الذي هو النهي عن الضد انتهى وأقول في منعه لتركب الوجوب من الجزئين دليل على جهله بمذهب إمامه وجمهور أصحابه فإنهم استدلوا على المسألة المشهورة القائلة أن الوجوب إذا نسخ بقي الجواز على ما في المنهاج للبيضاوي وشروحه بأن الدال على الوجوب يتضمن الجواز لتركبه من جواز الفعل والمنع من الترك فالدال على الوجوب متضمن للجواز مقتض له ودال عليه والناسخ للوجوب لا ينافيه أي لا ينافي الجواز فإنه يرتفع الوجوب الذي مفهومه مركب بارتفاع جزئه الذي هو المنع من الترك فبقي الجزء الآخر وهو جواز الفعل سالما عن المعارض إذ يكفي في ارتفاع المركب ارتفاع أحد الأجزاء وقد صرح بذلك أيضا أفضل محققي الناصبة وهو العضد الإيجي في بعض مسايل المياح من شرحه على أصول ابن الحاجب حيث قال قالوا المأذون في الفعل حاصل في لواجب والمباح وهو تمام حقيقة المباح وجزء حقيقة الواجب لاختصاصه بقيد زايد وهو أنه غير مأذون في تركه اه ثم سلم الجزئية وأجاب عما قالوا بأن للمباح أيضا فصل هو المأذون في تركه انتهى وأما ما ذكره الناصب من أن معنى الوجوب هو العزم على الفعل فهو من اختراعاته إذ ليس ذلك معناه اللغوي ولا الاصطلاحي فإن معناه لغة على ما في شرح المختصر وغيره هو الثبوت والسقوط وفي الاصطلاح خطاب لطلب فعل غير كف ينتهض تركه في جميع وقته سببا للعقاب وقيل الواجب ما يعاقب على تركه وقيل ما يخاف العقاب على تركه وقال القاضي أبو بكر ما يلزم شرعا تاركه بوجه ما وحاصل الكل يرجع إلى التركيب المذكور كما يظهر بأدنى تأمل ولو كان حقيقة الوجوب هو العزم على الفعل كما توهمه لكان تحققه وصدقه في جميع ما يقصد إليه من الأفعال الواجبة والمستحبة والمباحة والمكروهة والمحظورة على حد واحد لأن العزم يتحقق في الكل وبطلانه أظهر من أن يخفى قال المصنف رفع الله درجته البحث الخامس في التخصيص ذهبت الإمامية ووافقهم جماعة إلى أن الاستثناء لا يجب فيه أن يكون الباقي أكثر من الخارج وخالف فيه جماعة من السنة وهو خطأ لأنه يخالفه نص القرآن قال الله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ثم قال الله تعالى في موضع أخر قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين فلو وجب بقاء الأكثر لزم أن يكون كل واحد من الغاوين والمخلصين أكثر من صاحبه وهو محال وذهبت الإمامية ومن تبعهم إلى أن الاستثناء من النفي إثبات وقال أبو حنيفة لم يكن إثباتا وقد خالف في ذلك الاجماع وقول النبي ص أما الاجماع فلأنه دل على أن قولنا لا إله إلا الله توحيد وكاف فيه وأما قول النبي ص فلأنه قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم وذراريهم ولو لم يكف هذا القول في التوحيد لم يكن موجبا للعصمة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول وافق الشافعي في أن الاستثناء لا يجب فيه أن يكون الباقي أكثر من الخارج لأن الاستثناء إخراج البعض عن حكم المستثنى منه وذلك البعض قد يكون أكثر وقد يكون مساويا وقد يكون أقل مثلا إذا قلنا جاءني القوم إلا العشرين منهم فيجوز أن يكون القوم ثلثين فاستثنى منهم عشرين وبقي عشرة فالباقي أقل ويجوز أن يكون أربعين فالباقي مساو أن يكون خمسين فالباقي أكثر وأما ما ذكر أن المخالف خالف نص القرآن فهو غير وارد عليه ولا يلزم ما ذكر من لزوم كون كل واحد من الغاوين والمخلصين أكثر من صاحبه لأن الآية الأولى مقولة من الله تعالى والثانية حكاية عن قول الشيطان فكان للمخالف أن يقول أن الغاوين في كلام الله تعالى أقل من المخلصين وفي ما نقل عن الشيطان أكثر لأن الشيطان ادعى غواية الأكثر والله تعالى يحكم بغواية الأقل وكذا في المخلصين فلا يلزم ما ذكر ثم ما ذكر أن الاستثناء من النفي إثبات فهو موافق المذهب الشافعي لأن مدلول الاستثناء ليس إلا هذا وذهب أبو حنيفة إلى عدم لزوم هذا وما أورد عليه من مخالفة الاجماع و الحديث فغير وارد عليه لأن إفادة الاستثناء إثباتا بعد النفي في بعض الصور لا يفيد لزومه انتهى وأقول فيه وجوه من القدح والملام أما أولا
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»