إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٢٣
ينبغي أن يتعجب منه فإن أبا حنيفة يقول كونها آية من القرآن في صدر كل سورة وأنها ليست مذكورة للتبرك والتيمن ثابت بالآحاد ولا كل ما يكون مكتوبا في المصحف يكون متواتر آية من القرآن ألا ترى أن لفظة أمين مكتوب فيما بين الدفتين وليس من القرآن والأحاديث الدالة على كونها من القرآن خبر الآحاد فكيف يصح أن يق أن الراوي إنما نقله قرآنا والقرآن هو المتواتر تأمل فإنه اشتباه مضحك انتهى وأقول يتوجه عليه أولا إن مذهب الأشاعرة أن مجموع الدال والمدلول يكون كلاما غير صحيح وإنما القول بالتركيب من مخترعات بعض المتأخرين الذين راموا إصلاح المفاسد اللازمة من أصل المذهب كيف وقد نقل الفاضل الشهرستاني الأشعري في كتاب الملل والنحل مذهب الأشعري بما يوافق كلام المصنف قدس سره حيث قال والكلام عند الأشعري معنى قايم بالنفس وسى؟؟ العبادة بل العبادة دالة عليه من الانسان فالمتكلم عنده من قام به الكلام انتهى ويدل عليه أيضا استنادهم في ذلك بما مر من قول الشاعر شعر أن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا وثانيا أن ما توهمه من عكس دليل المصنف وقلبه عليه قلب مموه لا يروج على فاقد بصير وذلك لأن المصنف لم يستدل على عدم تأتي التمسك بالكتاب على مذهب الأشاعرة بمجرد ما قالوا أن الكلام قائم بذات الله تعالى وإن هذا الكتاب حكاية عنه بل ضم معه تجويزهم صدور المفاسد عنه تعالى عن ذلك علوا كبيرا وحاصل استدلاله أن الأشاعرة ذهبوا إلى أن الكلام الحقيقي قائم بذات الله تعالى عن غير صادر عنه والصادر عنه هو الكلام اللفظي الذي هو حكاية عنه وذهبوا أيضا إلى جواز صدور المفاسد عنه تعالى فيلزم من المقدمتين جواز أن يكون الكلام اللفظي مفسدة صادرة من الله تعالى فلا يمكنهم التمسك به لقيام احتمال المفسدة نعم لو كان مبني لزوم امتناع التمسك على مجرد أن هذا القرآن ليس قائما به تعالى بل حكاية عنه لأمكن ترويج القلب وليس فليس كما لا يخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وثالثا أن ما ذكره في دفع اعتراض المصنف عن أبي حنيفة بأنه لم ينف كونها في سورة النمل من القرآن اه مناقشة لفظية ركيكة لا يليق صدورها إلا بصاحب البضاعة المزجاة من العلم والفهم فإن المصنف قدس سره قال أولا اتفقت الإمامية وطائفة كثيرة من الجمهور على أن البسملة آية من كل سورة وخالف في ذلك أبو حنيفة أي في كون البسملة آية من كل سورة فإذا قال بعد ذلك أن أبا حنيفة نفى كون البسملة آية من القرآن علم بمعونة السابق مراد المصنف نفيه كون البسملة آية من القرآن في كل سورة فلا بتوجه ح أنه لم ينف كونها في سورة النمل من القرآن وأيضا يدل على إرادة المصنف لما ذكرناه دلالة صريحة قوله بعد ذلك ومن العجب إنكار أبي حنيفة أنها من القرآن ولا يقرأها في صلاته اه لظهور أن المراد أنه لا يقرأ البسملة في الحمد والسورة التي تقرع في الصلاة لا أنه يقرأها في سورة النمل أيضا والمناقشة في العبارة مع ظهور المراد لا يليق بالمحصلين ورابعا أن ما ذكره من أن النقل لم يتواتر في هذا وأنه ذكر قبل هذا أن الحديث المتواتر أقل من القليل ففيه ما سبق منا من أب الحديث المتواتر لفظا ومعنى قليل وأما المتواتر معنى كثير على أن كلام المصنف في تواتر القرآن لا في تواتر الحديث فافهم وخامسا أن ما ذكره من أن الأحاديث الدالة على كون البسملة من القرآن خبر الآحاد فكيف يصح أن يق أن الراوي إنما نقله قرآنا ناش عن سوء فهمه لكلام المصنف إذ من البين إن المصنف لم يرد بقوله الناقل لم ينقله حديثا عن رسول الله (ص) أنه لم ينقل آية البسملة زاعما أنه حديث رسول الله (ص) في خصوص تلك الآية حتى يتأتي أن يق أن ذلك الحديث من أخبار الآحاد بل نقله قرآنا أي كما نقل ساير القرآن والقرآن هو المتواتر فغيره أي غير المتواتر ليس منه ولعمري إنه لو علمت أم الناصب هذه المرتبة من اعوجاج فهمه وقصور باعه لبكت عليه مع يراعه وتمنت أن ثكلته قبل رضاعه قال المصنف رفع الله درجته البحث الثاني إجماع أهل المدينة ليس بحجة لأن المواضع لا مدخل لها في الصدق والكذب وإنما المعتبر العدالة وعدمها فيهما وقال مالك أنه حجة وهو خطأ للعلم الضروري بأن البقاع لا مدخل لها في تصديق الرجال وقد قال الله تعالى ومن أهل المدينة مردوا على النفاق وقال الله تعالى فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين ومنهم من يلمزك في الصدقات إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على وقوع الذنب منهم انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول وافق الشافعي أن إجماع أهل المدينة إذا لم يوافقهم غيرهم ليس بحجة بل الحجة إجماع أهل الحل والعقد سواء كانوا في المدينة أو غيرها وذهب ما لك إلى أن إجماع أهل المدينة حجة لا لخصوصية أرض المدينة بل لأن الاجماع الحجة عنده هو إجماع أهل العصر الأول وهو كانوا يومئذ في المدينة فالنزاع لفظي لأن الشافعي لم ينكر كون أهل الحل والعقد كانوا في العصر الأول في المدينة ومالك لم يقل بأن خصوصته الأرض مدخل لها في الاجماع وإذا علمت هذا عرفت أن كل ما استدل به من الآيات على أن إجماع أهل المدينة ليس بحجة لا يدل على المط لأن كون بعض المنافقين في المدينة لا يمنع وجود أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الاجماع في المدينة انتهى وأقول فساد ما سرده من المقدمات طاهرة جدا أما قوله أهل العصر الأول كانوا يومئذ في المدينة اه مدخول بأن المراد بأهل العصر الأول المعتبر إجماعهم أهل العصر المتأخر عن زمان النبي (ص) إذ لا إجماع في زمانه (ص) ولا ريب في أن أهل الحل والعقد من الصحابة والتابعين قد تفرقوا في الأمصار بعد وفات النبي (ص) قبل وجود مالك بسنين كثيرة فكيف يق باجتماعهم في ذلك العصر في المدينة أما سمعت ما قاله إمامك فخر الدين الرازي في المحصول من قوله والانصاف أنه لا طريق لنا إلى معرفة حصول الاجماع إلا في زمن الصحابة حيث كان المؤمنون قليلين يمكن معرفتهم بأسرهم على التفصيل انتهى وأما قوله أن مالك لم يقل بحجية الاجماع لخصوصية أرض المدينة وأن لها مدخلا في الاجماع فما يكذبه ما اشتهر من استدلال مالك على ذلك بقوله ع إن المدينة لينفى خبثها قال القاضي البيضاوي في المنهاج قال مالك إجماع أهل المدينة حجة لقوله ع إن المدينة لينفى خبثها وهو ضعيف انتهى وهذا الاستدلال مذكور في أصول ابن الحاجب وغيره من الكتب الأصولية وهذا صريح في مدخلية خصوص أرض المدينة عنده ولهذا منعه المصنف وعارضه بقوله تعالى ومن أهل المدينة مردوا على النفاق إلى غير ذلك من الآيات فعلم أن ما ذكره الناصب العاجز القاصر من أن النزاع لفظي وأن مالك لم ينكر عدم مدخلية الأرض كذب وافتراء ارتكبه للهرب عن ورود الايراد والله الموفق للسداد قال المصنف رفع الله درجته وأما إجماع العترة فإنه حق خلافا للجمهور لأن الله تعالى أذهب عنهم الرجس فقال تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فأكد بتقديم لفظ إنما وباللام وبالاختصاص على صيغة النداء وبقوله تعالى تطهيرا وما أغرب حال هؤلاء حيث لم يجعلوا إجماع من نزهة الله تعالى عن الخطاه والغط والزلل وقول الفحش وجعله ردءا للنبي (ص) في استجابة الدعاء يوم المباهلة وخصه
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»