بما لا يطاق لأن كل ثابت في الواقع سواء كان طاعة أو معصية أو شركا أو إضلالا إلى غير ذلك فإنه من فعله تعالى ولا يمكن اجتماع القادرين على الفعل الواحد مع أنه تعالى كلف العبد مكلفا بفعل نفسه وهو مح فيكون قد كلف بالمح وهل يرتضي عاقل لنفسه اختيار ذلك والمصير إليه فإنه يلزم منه تكذيب الله تعالى وهو كفر وبقايا مباحث التكليف سبقت انتهى وقال الناصب خفضه الله قول قد سبق هذا البحث في قسم علم الكلام وتبين حقيقة كلام الأشاعرة فيه وإن ما لا يطاق ثلاثة أقسام قسم يجب القول به وهو ما أخبر الله تعالى بعدم وقوعه مع التكليف به كإيمان أبي لهب الثاني المحالات العقلية والتكليف بها محال والثالث المحالات العادية والتكليف بها جايز لكن غير واقع في الشرع لقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وما ذكر أنهم يقولون بأن التكليف بأجمعها تكليف بالمحال لأن الكل فعل الله على مذهبهم والتكليف بفعل الغير محال فقد عرفت جوابه وأن الخلق غير الفعل العباد مكلفون بما يباشرون من الأفعال الخلق من الله انتهى وأقول قد مر أن كلام الأشعري في جواز تكليف المحال مطلق وأن ما ذكره الناصب من التقسيم السقيم وتخصيص محل النزاع ببعض الأقسام مما اخترعه بعض المتأخرين دفعا للشناعة والملام وناهيك في ذلك ما نقلناه سابقا من كلام العلامة الشيرازي في شرحه لأصول ابن الحاجب وما ذكره الشهرستاني في كتاب الملل والنحل عند ذكر مذهب الأشعري حيث قال وتكليف ما لا يطاق جايز عنده للعلل التي ذكرنا ولأن الاستطاعة عنده عرض والعرض لا يبقى زمانين وفي حال التكليف لا يكون المكلف قط قادرا انتهى على أن القسم الأول الذي أوجب القول به محال عقلي أيضا غايته أن لا يكون ممتنعا بالذات بل بالغير وتوضيحه أن ما كلف به أبو لهب في المثال المذكور هو إيجاد فعل الإيمان بالقدرة والاختيار فإذا لم يكن الفعل لإخبار الله تعالى بعدم وقوعه كان التكليف به تكليفا بالمحال لأنه تكليف بإيجاده وإيجاده مستلزم لجواز الجهل عليه تعالى وجواز جهله تعالى محال وأما نحن فلا نم وقوع أخبار الله تعالى بعدم إيمان أبي لهب حتى يكون تكليفه بالإيمان تكليفا بالمحال والوعد بأنه سيصلى نارا لا يدل على أن ذلك لعدم إيمانه وتصديقه للنبي (ص) لامكان تعذيب المسلم كالفاسق ولو سلم ذلك قلنا أن نقول أنه سيصلى النار على تقدير عدم إيمانه سلمنا لكن نمنع أن أبا لهب وأمثاله قد كلفوا بتصديق النبي (ص) فيما أخبر به من عدم تصديقهم بنبوته لجواز وروده حال غفلتهم أو نومهم أو بعد التكليف سلمنا لكن لا يلزم تكليفهم بتصديق ذلك الخبر عينا إذ من الإيمان ما يكفي التصديق به مجملا وأما ما ذكره في إصلاح القول بأن التكاليف بأجمعها تكليف بالمحال من أن الخلق غير الفعل اه ففيه أن هذا الفرق على تقدير تسليم صحته إنما يقدح في دليلهم المذكور على ما صرحوا به من أن التكاليف بأجمعها تكليف بالمحال لا في أصل تصريحهم بذلك فيكون هذا اعتراضا أخر عليهم حيث عدلوا في اختيار مطلب فاسد بدليل فاسد لا اعتراضا على المصنف قدس سره نعم قد تمحل الشارح العضد في نفي قولهم بتعميم ذلك بأن التعميم مخالف للإجماع ولعمري أن دعوى الاجماع في ذلك أسخف من دعواهم الاجماع على خلافة أبي بكر ولو كان أمثال هذه الإجماعات حجة لما جاز للشارح المذكور مخالفة الاجماع الذي نقله من تقدم عليه من شارحي أصول بن الحاجب في أن مدرك الأحكام أما العقل أو الشرع حيث أجاب عند ضيق الخناق عليه هناك بأنه يجوز أن يكون المدرك العرف أو العادة أو غيرهما وأيضا على تقدير ثبوت الاجماع لا يستبعد من الجاهل الذي ملأ الآفاق من الأقوال الشنيعة المخالفة للكتاب والسنة جهله بالإجماع أو إنكاره ومخالفته له متعمدا ولهذا كفره الحنفية كما مر فتذكر قال المصنف رفع الله درجته الفصل الثاني في الأدلة وفيه مباحث الأول الكتاب العزيز إنما يصح التمسك بالكتاب عند الإمامية ومن تبعهم من المعتزلة ولا يتأتى على مذهب الأشاعرة لأن الكلام عندهم قائم بذات الله تعالى وهذا الكتاب حكاية عنه وجوزوا وقوع المفاسد عنه تعالى فلا يمكنهم الحكم بصدق هذا القرآن أما على مذهب الإمامية والمعتزلة فإن المفسدة منه محال فلا يتأتى منه ذلك وعندنا أن الكلام هو الحروف والأصوات القائمة بالأجسام ويمتنع أن يريد الله تعالى بها ما ليس ظاهرا منها إلا مع قرينة تدل عليه واتفقت الإمامية وطايفة كثيرة من الجمهور إلى أن البسملة آية من كل سورة وخالف في ذلك أبو حنيفة فنفاها آية من القرآن وكابر النقل المتواتر في ذلك ومن العجب إنكار أبي حنيفة أنها من القرآن ولا يقرأها في صلاته واحتج بالشاذ المنقول آحاد أو تمسك به مع أنه خطأ لأن الناقل لم ينقله حديثا عن رسول الله (ص) وإنما نقله قرآنا والقرآن هو المتواتر فغيره ليس منه انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول ما ذكره أن الأشاعرة لا يصح لهم التمسك بالكتاب لأن الكلام قايم بذات الله وهذا الكتاب حكاية عنه فما أجهله بمعرفة المذهب فإنهم يقولون ما بين الدفتين كلام الله تعالى وهو الدال على الصفة القديمة والمدلول هو الصفة القديمة ومجموع الدال والمدلول يكون كلاما لكن الأصل في الكلام المدلول هذا هو المذهب فلم لا يصح لهم التمسك بالكتاب ثم نحن نعكس عليهم هذا الكلام نقول لا يصح للمعتزلة ومن تابعهم التمسك بالكتاب لأن كلام الله تعالى عندهم الأصوات والحروف التي يخلقها الله تعالى في جسم من الأجسام فيكون الكلام عرضا لأن الأصوات والحروف إعراض والعرض لا ينتقل بلا خلاف فالأصوات والحروف التي هي الكلام الذي خلقه الله تعالى في اللوح المفحوظ أو في جبرئيل أو غيره هو كلام الله تعالى فنحن إذا تكلمنا بالقرآن وقرأناه فإما أن يكون أصواتنا وحروفنا الخارجة من حنجرتنا مخلوقة لله تعالى أولا فإن قالوا هي مخلوقة لنا فلا يكون كلام الله تعالى البتة لأن تعريف كلام الله تعالى أنه الأصوات والحروف التي يخلقها الله تعالى في جسم من الأجسام وإن كان حروفنا وأصواتنا عند قراءة القرآن مخلوقة لله تعالى فاعترفوا بأن بعض أفعال العبد مخلوقة لله تعالى ففيم الثواب ولزمهم القول بأن العبد خالق بعض أفعاله الاختيارية فاضطروا إلى أن يقولوا أن هذه حكاية من تلك الحروف والأصوات التي خلقها الله تعالى في جبرئيل أو اللوح المحفوظ وهذا عين انعكاس المحذور إليهم وأما ما ذكر في البسملة فمذهب الشافعي أن جزء من القرآن في صدر كل سورة فهو يوافق الشافعي في هذا وأما ما اعترض على أبي حنيفة بأنه ففي كون البسملة من القرآن فهذا باطل لأنه لم ينف كونها في سورة النمل من القرآن والكلام في أنها جزء من كل سورة في صدرها أولا فذهب الشافعي أنها جزء من كل سورة في صدرها للأحاديث الدالة على هذا وأما ما ذكر أن أبا حنيفة كابر النقل المتواتر فهذا كذب وباطل فإن النقل في هذا لم يتواتر وقد علمت قبل هذا أن الحديث المتواتر أقل من القليل وأما التعجب من إنكار أبي حنيفة والاحتجاج بأن كونه من القرآن من خبر الآحاد لأن الناقل لم ينقله حديثا وإنما نقله قرآنا والقرآن هو المتواتر فهذا تعجب
(٣٢٢)