إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣١٢
وجوه الكلام على قاعدة جريان العادة ونقول ههنا إنه لا يخ أما تن يكون إجراء الأحكام على طريق العدة واجبا على الله تعالى أو لا فإن كان الأول فقد خلافها ذهب إليه الخصم وأما أن لا يكون واجب فجاز خرق الله تعالى للعادة بإثابة العاصي وعقاب المطيع فلا يبقى مع هذا التجويز علم ولا ظن بشئ من الشرايع والثواب والعقاب كما ذكره المصنف وأيضا الثواب والعقاب ونحوهما من الشرايع أمور لا يعلم جريانه وعدمه إلا في الآخرة فكيف يمكن أن يعلم المكلف في الدنيا جريانها في الآخرة حتى يخنهم في الدنيا بوقوعها في الآخرة ولعل الناصب قاس ذلك بما قيل من جريان العادة بعدم ظهور المعجزة ط يد الكاذب وغفل عن أن هذا حيث يكون في الدنيا يمكن للمتتبع أحوال المدعين للنبوة ومعجزاتهم العلم به بخلاف الثواب والعقاب ونحوهما من الشرايع فتأمل فإنه من سوانح الوقت وأما قوله وبئس المذهب مذهبا يجعل فيه الأشياء واجبة لازمة على الله تعالى كما يجب الأشياء للعبيد آه ففيه ما مر أيضا من إنا لا نقول بوجوب الأشياء على الله تعالى كوجوبه على العبيد فإن الوجوب على العبيد من الله تعالى والوجوب على الله تعالى من نفسه بمقتضى حكمته وموجب وعده لا بإيجاب غيره عليه كما فهمه الناصب بئس الفهم ومنعه تعصب المذهب بئس المذهب عن التأمل في قوله تعالى كتب الله تعالى على نفسه الرحمة وقوله وكان حقا علينا نصر المؤمنين إلى غير ذلك وأما ما ذكره من لزوم نصب الإنسان يوم القيامة نفسه خصما لله تعالى آه فهو من الهذيانات التي قصد به خداع العوام والصبيان فإن الحكيم الكريم الغني الجواد الذي له ملك السماوات والأرض وخزاينهما لا يحتاج من عامل معه إلى الطلب وارتكاب الدعوى والشغب فلا يفتقر إلى أن يخاطبه تعالى بمثل ذلك الخطاب أو يقول له اعدل كما عدل عمر بن الخطاب على ما هو دأب ذوي الأذناب في هذا الباب وأما ما أشار إليه من أن الإمامية والمعتزلة ينفون التفضل عن الله تعالى فهو فرية بلا مرية لما مر من أنهم يقولون إن أصول النعم تفضلية وفي أدعية أهل البيت عليهم السلام يا مبتديا بالنعم قبل استحقاقها وتفصيل الكلام فيه أن العطايا الإلهية التي تصل إلى العبد على ثلاثة أقسام ثواب وعوض وتفضل والأول هو النفع المستحق الواجب على الله تعالى إيصاله إلى العبد على الدوام مقارنا للأجلاء والإكرام والثاني هو النفع المستحق الواجب عليه إيصاله إلى العبد على قدر ما عمل من غير نقصان والثالث هو النفع الذي يوصله الباري إلى العبد تبرعا والأولان واجبان على الله تعالى بمعنى أنه لا يجوز تركه في حكمه كما مر والثالث غير واجب عليه وهو تفضلي أي تبرعي على أن فعل الإفضال والإنعام إذا كان مع الداعي لا ينافي للزوم كما لا يخفى وأما ما ذكره من أن في قول المصنف هلا حكى الله اعتذار الكفار في الآخرة بأنك خلقت فينا الكفر والعصيان دليل على أن خلق الأعمال لا يوجب العذر ولا اعتذروا به آه ففيه دليل على انسلاخه عن العقل والحياء وعدم مبالاته بما يطلق به لسانه وكيف تعقل أن الإنسان الذي هو أكثر شئ جدلا يعتذر في مقام مؤاخذته بالعذر والضعيف الذي هو إضلال السادات والكبراء وشياطين الإنس والجن له كما دل عليه الآيات التي ذكرها المصنف ويترك العذر القوي الذي هو خلقه للأعمال فيهم وأي عذر أقوى عند العقل من أن يخلق في العبد المعاصي قهرا ولا يمكنه من القدرة على تركها ثم يعاقبه عليها وكيف يجمع الناصب بين بسبته تجويز هذا العسر العظيم من الله تعالى إلى عبده وبين قوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وأما قوله ولهذا اعترفوا بذنوبهم ففيه إنهم اعتذروا بما تضمنه الآيات المذكورة ولما تفطنوا بوهن تلك الأعذار اعترفوا بذنوبهم فلا يصلح اعترافهم بذنوبهم لكونه قليلا لعدم اعتذارهم بخلق الأعمال فيهم وإنما كان يصلح تعليلا لو لم يقع منهم العذر أصلا وليس فليس قال المصنف رفع الله درجته وروى الحميدي ي الجمع بين الصحيحين قال قدم على رسول الله (ص) وسلم سبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته فقال رسول الله (ص) ترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار قلنا لا والله قال الله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها وفيه أن النبي (ص) قال إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الإنس والجن والبهايم والعوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها يعطف الوحش على ولدها وأخرى لله تعالى تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة وفيه عن رسول الله (ص) قال إن الله يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عند يا ابن آدم استسقيك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلانا فلم تسقه أما علمت أنك لو أسقيته لوجدت ذلك عندي وفيه عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله (ص) يقول الله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دونه مهلكة معه راحلته فضلها حتى إذا اشتدت عليه الحر والعطش ما شاء الله تعالى قال ارجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ و إذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده وقد صرح الله تعالى في كتابه في عدة مواضع برحمته وإحسانه وتفضله وكيف يتحقق ذلك ممن يخلق الكفر في العبد ويعذبه عليه ويخلق الطاعة في العبد ويعاقبه أيضا عليها فهذه حال أصولهم الدينية التي يدينون الله تعالى بها فيجب على العاقل أن ينظر في نفسه هل يجوز المصير إلى شئ منها وهل يحل القول ببعضها انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول حاصل ما ذكره في هذا الفصل إن الأحاديث دلت على فضل الله تعالى ورحمته وترحمه على عباده وهذا لا يجتمع مع خلق الكفر فيهم والعقوبة عليه والجواب أن الله تعالى كما هو رحيم على العباد المؤمنين قهار منتقم من عباده الكافرين فالرحمة واللطف لمن خلقه مؤمنا في الأزل والقهر والانتقام لمن خلقه كافرا في الأزل والذي خلق فيه الكفر جعل من أهل القهر والذي خلق فيه الإيمان جعله من أهل اللطف وهذه أشياء جرت في الأزل لا تبديل لكلمات الله ألم تسمع ما ورد في الحديث أن الله تعالى خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا خلقهم لهما وهم في أصلاب آباءهم فما ورد من أخبار الرحم والشفقة فهي للمؤمنين وليس للكافر الذي خلق للنار من هذا نصيب وأما خلق الكفر والعقوبة عليه
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»