إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣١٨
الفعل والوقت نعم فضل الفعل على الوقت المضيق مم لا التساوي وما ذكر أن من قال بوجوب الفعل في أول الوقت وصيرورته قضاء في آخر الوقت ومن قال من الحنفية بالعكس فقد خالف القرآن فقد علمت عدم دلالة النص على ما ذكر انتهى وأقول أولا في توضيح المقام أن المحققين من الأصوليين اتفقوا على أنه لا يجوز أن يكون وقت الواجب أنقص منه بحيث لا يسعه لاستلزامه التكليف بما لا يطاق وهو قبيح ممتنع على الله تعالى فإما أن يكون مساويا له ويؤكد الواجب المضيق كصوم شهر رمضان ولا خلاف فيه وإما أن يكون وسع منه ويوله الواجب الموضع كالصلاة اليومية والنذور المطلقة وغيرها ففيه خلاف قال أهل الحق بجوازه عقلا ووقوعه شرعا واحتجوا عليه بالآية المذكورة وغيرها بناء على أن الأوقات المذكورة أوسع من الصلاة المأمور بها فيها قطعا ومعنى وجوب الفعل في الوقت الأوسع وجوبه في جزء منه على أن يكون المكلف مخيرا في إيقاعه في أي جزء منه ولا يجوز له الترك في جميعها و حاصله أن تاركه فيه لا إلى بدل منه يستحق العقاب كما في الواجب المخير وبهذا يمتاز عن المندوب وإن اشتركا في جواز الترك في الجملة وقال كثير من المخالفين لضيق مدركهم بالمنه عن الواجب الموسع لزعمهم أن الوجوب ينافي أو سعته الوقت فاختار بعضهم أن الصلوات اليومية واجبة في أول أوقاتها وإيقاعها بعده إنما هو بطريق القضاء واختار بعضهم أنها واجبة في آخر أوقاتها وإنما يجوز إيقاعها قبله على وجه التقديم على الوقت تعجيلا كما في تقديم الزكاة على وقت وجوبها ومنهم من قال بأن وجوبها في أول الأوقات معلق على حال المكلف في آخرها فإن بقي على صفة المكلفين كان الواقع في أول الوقت واجبا وإلا كان نافلة وفساد هذه الأقوال مما لا يخفى بأدنى تأمل إذا تمهد هذا فلنرجع إلى ما أورده الناصب على المصنف قدس سره فنقول أما ما ذكره من أن الآية جمعت فيها صلوات الأوقات الأربعة آه فمردود بأن تمام الآية أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر فتكون جامعة لصلوات أوقات الخمسة فصلاتا دلوك الشمس الظهر والعصر وصلوتا غسق الليل أي انتصافه المغرب والعشاء والمراد بقرآن الفجر صلاة الفجر باب من إضافة الشئ إلى وقته كصلاة الجمعة وصلاة العيد وصلاة الكسوف وما أشبه ذلك ويؤيد الاستدلال أنه لما كان زمان الفجر قليلا لم يضرب له غاية في الآية فافهم وإنما ترك المصنف بعض الآية اختصارا واعتمادا على شهرة الاستدلال بهذه الآية على المصنف المذكور ومن العجب الذي ليس من الناصب أن يعجب الاستدلال بهذه الآية هو الدليل المرضي للشافعية على ما أشار إليه الشارح العضد وصرح به صاحب النقود والردود في حواشيه وهذا المعاند ينكر استدلالهم بها ويدفعه بهذا الرد المردود بمجرد معاندة الشيعة وأما ما ذكره في سند منع الامتناع بقوله لأنه يمكن أن يتساوى الفعل والوقت اه فباطل لا يصلح للسندية لأنه إن أراد مكان ذلك في نفس الأمر وإن لم يكن للمصلي إيقاع فعل الصلاة مثلا في ذلك الزمان المساوي فسلم لكنه لا يفيد وهو ظاهر وإن أراد إمكانه مع إمكان إيقاع المصلي صلاته دائما في ذلك الزمان المساوي فبطلانه ظاهر مما ذكره المصنف من تعذر ضبط أوقات الصلاة فإنه إذا تعذر ذلك كما يشاهد من تردد المصلي في دخول الوقت وعدمه أمكن أن يترك الصلاة كلا أو بعضا في الوقت المعين في الواقع المساوي لفعلها فلا يأتي بالمأمور به إلا نادرا أو التفاقا وقد علم بهذا أيضا أن منشأ ما أورده الناصب من الايراد شدة العناد أو التغافل عما ذكره المصنف من تعذر ضبط وقت الصلاة قال المصنف رفع الله درجته البحث الثالث في الواجب على الكفاية ذهبت الإمامية ومن تابعهم من الجمهور إلى أن الواجب على الكفاية واجب على الجميع بمعنى أنه إذا فعله البعض سقط عن الباقين لأن المقصود للشارع تحصيله كالجهاد الذي قصد به الشارع حراسة المسلمين فإذا أحصن بالبعض سقط الواجب عن الآخرين وإن لم يفعله أحد أثم الجميع وقال بعض السنة أنه واجب على واحد غير معين وهذا باطل بالضرورة فإن قضية الواجب وحكمه أنه إذا فعل استحق فاعله الثواب وإذا ترك استحق تاركه العقاب وإثابة واحد غير معين وعقاب واحد غير معين غير ممكن فلا يتحقق الوجوب وقد فرض ثبوته انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن الواجب على الكفاية واجب على الجميع وإذا فعل البعض سقط عن الباقين بالدلايل المنقولة في كتب أصولنا وهو وافق الشافعي في هذا واستدل عليه بما هو صريح البطلان لأن الذي يقول أنه واجب على واحد غير معين من الأمة فحاصل قوله يرجع إلى أحد من الأمة فإذا فعله ذلك الواحد حصل له الثواب والإثابة لا يكون إلا بعد الفعل فكيف يكون هذا إثابة لواحد غير معين لأن الفعل عينه وبه استحق خراب فعلم أن استدلاله على مدعى الحق باطل انتهى وأقول فيه نظر إما أولا فلأن قول الذي يقول أنه واجب على واحد غير معين من الأمة يرجع حاصل قوله إلى أحد من الأمة لا محصل له لأنه إن أراد بقوله أحد من الأمة واحد غير معين فصار كما كان فلا حاصل لبيان الحصل وتكلف الارجاع وإن أراد به أعم من أن يكون معينا أم لا كما يقتضيه سياق كلامه فهو مخالف لتقييد القايل بقوله غير معين فكيف يكون أصله ومرجعه إلى إرادة الأعم وأما ثانيا فلأن قول المصنف إثابة واحد غير معين رد على القايل بعدم التعيين وكون الفعل معينا لذلك الواحد لو صح لكان رد أيضا على القيل لا على المصنف على أنه يمكن أن يكون قوله إثابة واحد غير معين مذكور استطرادا ومتعا؟؟ لعديله المذكور بالأصالة وهو عقاب واحد غير معين ويكون مناط الحكم بامتناع المجموع هو الثاني دون الأول وهذا لمعاد تغافل عن التعرض لإثبات إمكان الثاني الذي هو محط الحكم بالامتناع وتعرض لبيان إمكان الجزء الأول الذي لم يذكر إلا بأشبع والحاصل أنه إذا كان المأمور به في الواجب على الكفاية واحدا غير معين وترك ذلك جمع المكلفين يلزم بمقتضى هذا المذهب عقاب بعض غير معين وهذا غير معقول ولا يتوجه عليه ما ذكره الناصب الجارح كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته البحث الرابع في الواجب المخير ذهبت الإمامية إلى إمكانه والعقل دال عليه والسمع دال على وقوعه وأنه غير مستبعد في الحكمة إيجاب شئ من ثلاثة على معنى إنه إذا فعل واحدا منها خرج عن العهدة ولا يجوز له الاخلال بالجميع ولا يجب عليه فعل الجميع والسمع دل عليه لقوله تعالى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك أوجب أحدها لا بعينه وحرم ترك الجميع ولم يوجب الجميع وقال الله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فلم يوجب الجميع بل أوجب واحدا منها لا بعينه ووافقهم على ذلك بعض الجمهور وقال بعضهم الجميع واجب وقال آخرون منهم الواجب ما يفعله المكلف وقال الآخرون منهم الواجب واحد معين ويسقط به وبالآخر والكامل باطل أما الأول فالإجماع على خلافه إذ المقتضي للثواب فعل أحدها فلا يكون الباقي واجبا
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»