وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم وقال الشيطان سول لهم وأملي لهم فردوا شهادة الله واعترف الشطان ونزهوه وأوقعوا الله في اللوم والزم انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول كرر في هذا الفصل إجمالا ما ذكره تفصيلا فهو يكرر الكلام إجمالا وتفصيلا وقد أجبنا عن كل ما ذكره فيما سبق من الكلام ولما كرر الكلام ألجأنا إلى التكرار في الجواب فنقول ما ذكر أنه لا ينكر صدور الفعل عن الإنسان إلا مكابر جاحد فالجواب إنا نقل أيضا هذا فإن إنكار صدور الفعل عن الإنسان نكابرة وليس هذا محل النزاع بل محل النزاع الخلق والتأثير غير المباشرة والكسب إذ هما شئ واحد وليس هذا من الضروريات وأما قوله ولو كان كما توهموه لكان الله تعالى أرسل الرسل إلى نفسه فالجواب عنه إن نسبة خلق الأفعال إلى الله تعالى لا يوجب أسناد الضلال إلى الله لا يوجب أن يكون مرسلا إلى نفسه لأن إرسال لرسل إلى مباشر الأعمال السيئة والحسنة لا إلى خالق الأعمال فإن خلق الشئ ليس بقبيح بالنسبة إلى الخالق وإن كان قبيحا بالنسبة إلى المباشر والمخلوق فلا يلزم ما ذكر وأما قوله ومن أعجب الأشياء أنهم يعجزون عن إدراك استناد أفعالهم إليهم مع أنه معلوم للصبيان والمجانين والبهايم ويقدرون على تصديق الأنبياء والعلم بصحة نبوة كل رسل إلى آخر كلامه فحاصله أن قول الأشاعرة إن الأفعال مخلوقة لله تعالى يوجب إسناد الضلال إلى الله تعالى والجواب عنه ما ذكرناه مرارا أن هذا الايجاب لأن الفساد والضلال مستند إلى مباشر الفعل وكاسبه لأنه محل الفساد والضلال لا الخالق الفعل والفرق بينهما قوله و ح لا يبقى علم ولا ظن بشئ من الاعتقادات قلنا إذا أسند الفساد والضلال إلى الله تعالى نمني أنه حاشاه تعالى عن ذلك فاسد وضال لارتفع الجرم بالشرايع والثوب ولا كل من خلق ما يعد فسادا وضلالا بالنسبة إلى المخلوق لا بالنسبة إليه فهو فاسد وهذا الفرق فكيف يصح أن يوان قال هذا كافر وهذا كفر محض وقد قال الله تعالى في مواضع عديدة من كتابه يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وأضل أعمالهم وأضلهم الله على علم ليضل الله من يشاء فصرايح الآيات تدل على نسبة الاضلال إلى ذاته فكيف من قال بضرياح؟ القرآن يكون قوله كفرا ولولا أن مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري عدم تكفير أحد من أهل القبلة لكان يجب تكفير ابن المطهر بهذا التكفير ولكن ذهب الفقهاء إلى أن من جعل جهة الإسلام كفرا فهو كافر وهذا الرجل جعل جهة الإسلام وهو نسبة خلق الأفعال إلى الله تعالى لدلالة صرايح النصوص عليه كفرا فهو مكفر بهذا التكفير ثم ما نقل من الجبائي أنن المجبر كافران أراد بالمجبر هل السنة والجماعة من الأشاعرة فيجب تكفير الجبائي لأنه ذهب كثير من أصحابنا إلى أن من يكفرنا فنحن نكفره وأما قوله ومن شك في كفره فهو كافر يدل على غاية تعصب هذا القايل وأنه لم يكفر لأجل الخطأ في الاعتقاد بل يكفر لأجل التعصب المفرط لأن الشك في كفر من كفره لم يصرح الله تعالى بكفره بالخصوص ليس بكفر من كان من أهل القبلة ومن المصلين كيف يكون الشاك في كفره كافرا وهذا غاية الجهل والتعصب ولا يبعد من المعتزلة المنسوبة إلى المجوس من كل عابد نار منحوس أن يكفر ومن شك في كفر أهل القبلة ولنعم ما قلت فيهم قبل هذا شعر لعصابة تركوا الجماعة وارتموا في الاعتزال لهم نفوس بالهؤ؟ في خلق أعمال الورى قد أشركوا مثل المجوس تفوهوا بالآلهة وأما قوله أنه يجوز على مذهبهم أن يجمع الله تعالى الأنبياء والرسل في الجحيم ويجمع الكفار والشياطين في النعيم فالجواب أنه لا يلزم من القول بعدم وجوب شئ على الله أن يفعل هذا فإنه جرى عادة الله على إثابة المطيع وعقوبة العاصي بعد أداء الأعمال ولم يجب عليه شئ وهذا لا يوجب أن يكون العاصي منعما والمطيع معذبا كما يجوز أن لا يخلق الله تعالى الشبع عقيب الأكل وإن جرى عادة الله تعالى على خلقه وهي لا يتخلف وبئس المذهب مذهبا يجعل فيه الأشياء واجبة لازمة على الله تعالى كما يجب الأشياء للعبيد وينصب الإنسان يوم القيامة نفسه خصما لله تعالى ويقول إني عملت كذا وكذا ويجب عليك أن تعطيني كذا وكذا وإلا كنت إثما خائنا لأنك ما أديت حقي ولا تفضل لك علي بل كل ما أنا له فهو علي من عملي وسعيي ولو أن جميع أعمال الإنسان العابد ألف سنة يقابل نعمة نور بصره لا توازيها ولا تعادلها فكيف يجوز رفع التفضل والقول بوجوب الجزاء وأما قوله هلا حكى الله تعالى اعتذار الكفار في الآخرة بأنك خلقت فينا الكفر والعصيان فنقول في جوابه هذا دليل على أن خلق الأعمال لا يوجب العذر وإلا اعتذروا به فلم يذكر عذرهم وبهذا علم أنه ليس يصح أن يكون عذرا فإن الآخرة منزل انكشاف الأشياء ولو كان يصح بوجه لاعتذروا به بل الملامة والعذاب في الآخرة لمباشرة العمل ولهذا اعترفوا بذنوبهم كما ذكره في الآيات انتهى وأقول ما ذكره المصنف في هذا الفصل فذلكة وقبيحه لبعض المقدمات والمباحث السابقة كما يدل عليه تصديرا للفصل بقوله أفلا ينظر العاقل آه ومن البين وجوب اشتمال النتيجة على مقدمات القياس إجمالا فلا يوجب ذلك محالا ولا بالكلام إخلالا ومن جملة تلك المقدمات إبطال كسب الأشعري مكا سيدنا أركانه ودمرنا على ما أجاب به الناصب هناك وهدمنا بنيانه وأقل ذلك ما سبق من أن الكسب بأي معنى من الحلية المباشرة أو غيرها أما أن يكون فعلا ضاد داعز العبد أم لا فإن كان فعلا بطل إنكار كون العبد فاعلا وتم الدست للإمامية والمعتزلة وإن لم يكن فعلا لزم إثابة العبد ومؤاخذته بما لم يفعله وهي بديهي البطلان وقد بلغ ظهور بطلان الكسب عند المحصلين إلى غاية قد يضرب به المثل فيما لا محصل له وصار من الأمثال السايرة قول بعض الحكماء المتأخرين لا معنى لكسب الأشعري وحال البهشمي وبهذا الذي قررناه قد اندفع من أجوبته الناصب الثلث الأول المبنية على الكسب الباطل كما لا يخفى وأما قوله ولا كل من خلق ما يعد فساد بالنسبة إلى المخلوق آه ففيه أن هذا كما بيناه سابقا انمع؟ يعقل في خلق الشرور من الجواهر التي يظهر للعقل مدخليتها في نظام الكل كخلق الشياطين والسباع والحيات والعقارب المجاهدة مع الأول ومؤاخذة بعض في الدنيا أحيانا بالآخرة وإن كان مخلا بالنسبة إلى بعض الأجراء أو جزئيات العالم وأما بالنسبة إلى أفعال العباد من السرقة والزنا واللواطة والكفر والارتداد ونحوها مما يحكم بديهة العقل بعدم مدخليتها في ذلك بل يحكم بإخلال بعضها بنظام الكل فلا وأما قوله قال الله تعالى في مواضع عديدة من كتابه يضل الله
(٣١٠)