إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٠٧
فهذا منسوب إلى حفصة بلا خلاف بين المفسرين والمحدثين فإن الاجماع منهم على أن رسول الله (ص) دخل في بيت حفصة مارية القبطية فغارت حفصة فحرمها على نفسه مراعاة لخاطر حفصة واستكتمه السر فأفشت عنه عايشة وأما ما ذكر من الغزالي أن عايشة قالت لرسول الله (ص) تكلم ولا تقل إلا حقا فإن عايشة كانت من أعلم الناس بأن رسول الله (ص) لم يقل إلا حقا ولكن هذا كلام يعرض النساء عند مجادلة الرجل فتقوله من الغيرة ولم يذكر تتمة الحديث إنها لما قالت هذا الكلام ضربها أبو بكر وقال أتقولين لرسول الله (ص) هذا وهل يقول هو غير الحق فقال رسول الله (ص) لأبي بكر دعها فعلم أن رسول الله (ص) كان يعلم أن هذا الكلام منها من فرط الغيرة ومن كلام مباحثات النساء مع الرجال لا أنها ذكرها معتقدة أن رسول الله (ص) قد يقول غير الحق وأما التفضيل بين عايشة وخديجة ليس يتعلق بشئ من أمور الدين والله أعلم بحقيقته انتهى وأقول الكل مدخول معلوم أما ما ذكره من أنه ليس لنا ولأمثالنا أن ندخل في الفرق بين أزواج الرسول (ص) فتصوف بارد ومناقض لتوغلهم في إثبات أفضلية أبي بكر من آل النبي (ص) وساير أصحابه مع كونه ملحقا بالمحال ولإثباتهم أفضلية الأنبياء عن الملائكة أو العكس مع عدم تعلق له بالدين فليكن هذا أيضا من هذا القبيل وأما ما ذكره من أن إفشاء سر رسول الله (ص) منسوب إلى حفصة بلا خلاف بين المفسرين والمحدثين فلا ينافي مشاركة عايشة معها كما صرحوا به أيضا وإنما خص المصنف الكلام ههنا بعايشة لكون المقام مقصورا في ذكر أحوالها دون حفصة وإلا فإفشاء السر قد وقع منهما كما نطق به الآية والرواية فقد روى أن رسول الله (ص) خلا بمارية القبطية في يوم عايشة وعلمت بذلك حفصة فقال لها اكتمي على وقد حرمت مارية على نفسي وأخبرها أنه يملك من بعده أبو بكر وعمر فأرضاها بذلك واستكتمها فلم تكتم وأعلمت عايشة الخبر وحدثت كل منهما أباها بذلك فاطلع الله تعالى نبيه (ص) فطلقها واعتزل نسائه ومكث تسعا وعشرين ليلة في بيت مارية ولا تشارك حفصة وعايشة في ذلك قال الله تعالى توبيخا لهما أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما أي فقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن إخلاص رسول الله (ص) من حب ما يحبه وبغض ما يكرهه هذا وربما يتوهم الناظر فيما رويناه من أخبار النبي (ص) لحفصة بأن أبا بكر وعمر يملك بعده أن ذلك فانظر إلى الخلافة فقد ثبته النص على خلافتهما وتم الدس لأهل السنة فنقول لا كل سوداء تمرة ولا كل حمراء جمرة فإن النظر نظران باد ونظر تحقيق وسداد والنظر البادي كثيرا ما يخطئ في المبادي والله الهادي فليتأمل الفطن أولا إن الملك مقابل للخلافة والإمامة في لسان الشرع كما ورد في الحديث من أن الخلافة بعدي ثلثون سنة ثم يكون بعد ذلك الملك و هذا الحديث ذكره ابن حجر المتأخر في صواعقه وقان أنه أخرجه أحمد عن سيفنة؟ وأخرجه أيضا أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره انتهى وأيضا لو كان المراد به الخلافة الثابتة من الله تعالى ورسوله لأظهرها النبي (ص) قبل ذلك لأبي بكر وعمر وقررها بعده لهما مع أنه لم يتحقق شئ من ذلك اتفاقا وأيضا لو كان المراد به الخلافة لاحتج به أبو بكر يوم السقيفة أو أحد من متأخري أهل السنة الذين تكلفوا لإثبات النص له بالأدلة الواهية سيما هذا الناصب الغريق المتمسك بكل حشيش ثم ذلك أخبار عما قضى الله تعالى به من الحكم الكون دون التكليف التشريعي فلا يلزم تعلق إرادة الله بينهما للملك بعد النبي (ص) ليكونا مطيعين مثابين في ذلك بل يكون ذلك نظير الملك والسلطنة الحاصلة لفرعون ونمرود وشداد وساير المتغليين المستولين على البلاد والعباد يدل على ذلك ما ذكره في مناقب العشرة من كتاب المشكاة رواية عن أحمد أنه قال النبي (ص) في جملة حديث سئلوا منه (ص) عمن يجعل أميرا بعده وأن تؤثرا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم انتهى ووجه الدلالة أنه (ص) أخبر عن أن عليا (ع) يستحق الخلافة وأنه راض بذلك مريد له لكن القوم لا يفعلون ذلك ولا يرضون به عنادا ولدادا وأما ما ذكره من أن عايشة كانت من أعلم الناس بأن رسول الله (ص) ما يقول إلا حقا فيلزم منه كونها أعلم وأفضل من عمر لأن عمر لم يعلم النبي (ص) كذلك ولنسب بعض أقوله (ص) إلى الهجر والهذيان كما مر وأيضا المرأة التي تكون من أعلم الناس قدر رسول الله (ص) لا ينبغي منها أن تجادله كما تجادل عوام النساء أزواجهن وكان عليها أن تعلم حدمة مجادلتها مع النبي (ص) وإن إثمها وعذابها ضعفين كما نطق به القرآن وإذ لم تعلم ذلك وظهر منها ما دل على مساواتها في الجهل مع النساء العوام السوقية دل على أن عذر الناصب مما لا يبيض وجهه ولا وجهها وبهذا أظهر ما صدر عن عايشة من الكلام إنما صدر عن فرط الجهل والحماقة ولعل الناصب تعظيما لها عبر عن حماقتها بالغيرة وإلا لم يكن للغيرة في تلك القصة التي رواها الغزالي مدخل وإنما كان موجب الغيرة في قصة مارية فظهر أن إعراض النبي (ص) عنها آخرا كان امتثالا لقوله تعالى فاعرض عن الجاهلين لا لما توهمه الناصب الجاهل اللعين وأما ما ذكره من أن التفضيل بين عايشة وخديجة لا يعلق بشئ من أمور الدين فقد مر جوابه أولا وقد أشار الناصب في كلامه إلى تفضيل عايشة على خديجة بالتقديم الذكري وليس ذلك إلا لأن خديجة كانت مخلصة للنبي (ص) وأم فاطمة وعايشة كانت عدوة ها ولعلي (ع) قال المصنف رفع الله درجته وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين أن ابن الزبير دخل على عايشة في مرضها فقالت له إني قاتلت فلانا وسمت المقاتل برجل قاتلته عليه وقاتلت لوددت أني كنت نسيا منسيا وفيه عن عايشة أن النبي (ص) كان يمكث عند زينب بنت جحش فشرب عندها عسلا فآليت أنا وحفصة أينا متى دخل علينا رسول الله (ص) فلينقل له إني أحد منك ريح مغافير أو أكلت مغافر فدخل على أحدهما فقالت بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له فنزل لم تحرم ما أحل الله لك أن تتوبا إلى الله لعايشة وحفصة فقد صغت قلوبكما وإذ أسر النبي (ص) إلى بعض أزواجه حديثا لقوله بل شربت عسلا قال البخاري في صحيحه وقال إبراهيم بن موسى عن هشام ولن أعود له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا وهذا يدل على بغضها في الغاية وفيه أن عايشة حدثت إن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عايشة والله لينتهين عايشة أو لأحجرن عليها ولم ينكر عليه أحد وهو يدل على ارتكابها ما ليس بسايغ وفيه عن ابن عباس قال لو كنت أقربها يعني عايشة أو دخل عليها لما أتيها حتى تشافهني وهذا يدل على استحقاقها الهجران وفيه عن نافع عن ابن عمر قال قام النبي (ص) خطيبا فأشار إلى نحو مسكن عايشة وقال ههنا الفتنة ثلثا من حيث يطلع قرن الشيطان وفيه قال خرج النبي (ص) من بيت عايشة فقال رأس الكفر من ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان انتهى وقال
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»