إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣١٥
بعدم استحقاق العقاب على المعصية وفي أن الكلام ليس في الوجوب كما زعمه الناصب وأما ما ذكره من أن وجوب اللطف تم فقد بينا سابقا معنى وجوبه وشيدنا أركان الدلايل التي ذكرها المصنف فيه على وجه ظهر أن الناصب محروم عن لطف الله تعالى مستحق لقهره وعذابه إن شاء تعالى وأما ما ذكره مجيبا على طرز المصنف بزعمه فحاشا أن يكون على طرزه بل كل ما ذكره كذب وفرية قصد به إخفاء القبايح الثابتة في مذهبه الفاسد ويتخيل أن في مذهب الإمامية أيضا نحوها من المفاسد ولقد نزه الله تعالى الإمامية بجوده وفضله عليهم وهدايتهم إلى الاقتباس عن مشكاة النبوة والولاية ومتابعة صريح العقل وصحيح الرواية عما في مذاهب غيرهم من الضلالة والغواية هيهات أين من أخذ العلم من مدينة العلم وبابها ممن يدور خارج أعتابها الحق لا يدفع بمكابرة هذا الزيغ والتخليل كما قال الله تعالى لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط ثقلت عليهم أحكام الثقلين فكرهوها وأعبى عليهم حملها فألقوها على أكتافهم ووضعوها تفلتت منهم السنن أن يحفظوها فأهملوها وصالت عليهم نصوص الكتاب والعترة فوضعوا لها قوانين رددوها ورفعوها أسروا سهير النفاق فأظهرها الله تعالى على صفحات الوجوه منهم وفلتات اللسان ووسمهم لأجلها بسيماء لا يخفون بها على أهل البصاير والإيمان وظنوا أنهم إذا كتموا كفرهم واجوا على النقاد والناقد البصير قد كشفها بذهنه الوقاد أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم و لتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالهم فلنكشف عما موه به الناصب ههنا من الزيوف وضرب بها نفسه على أسنة الطعن وحد السيوف ونقول أما ما أشار إليه من أن الإمامية اعتقدوا وجوب حقوق العباد عليه وهو مديون لهم فقد عرفت أن الوجوب الذي ذهب إليه الإمامية ليس بالمعنى الذي شنع به الناصب وأنه بمعنى إيجاب الله تعالى على نفسه الرحمة على عباده وإنجاز وعده في ميعاده وأما ما ذكره من مشاركة الخلق فقد عرفت سابقا عن قريب أن ذلك غير لازم له ولو لزم للزم لقول القايل بالكسب أيضا كما مر بيانه وأما مغلولية اليد فهو قول الناصب فيه سبحانه وتعالى إذ طرده من روضة إيران إلى نيران ما وراء النهر من غير زاد ولا راحلة وأما الإمامية فحاشاهم عن القول بذلك ومن أدعية أئمتهم عليهم السلام يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة نعم يقولون بأن الناصبية يسحبون يوم القيامة إلى النار مغلولة اليد مسلسلة الأعناق قان قصد هذا فهو لا يوجب التشنيع كما لا يخفى وأما ما ذكره من أنهم يقولون ليس له تعالى التكليف إلا بما يرضى به العبد ففيه أن هذا قول أصحاب الناصب حيث يجوزون التكليف بالقبيح الذي يشتهي العبيد أكثره ويرضى به دون الله تعالى كالزنا واللواطة وشرب الخمر ونحوها والامامية فإنهم يقولون أن الله تعالى إنما يكلف العباد بما يكون حسنا عند العقل وأكثر شاق عليهم كما يدل عليه أيضا لفظ التكليف المشتق به بمعنى المشقة وأما قوله أن الله تعالى كاذب عند الإمامية في قوله و عصى آدم فكذب صريح بل يقولون أن العصيان فيه بمعنى خلاف الأولى فإنه يسمى عصيانا وسيئة بالنسبة إليهم كما ورد في الحديث حسنات الأبرار سيئات المقربين وأما قوله يقولون أنه تعالى كاذب في قوله إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل من بعد سوء حسنا ففيه أن هذا كذب و افتراء آخر من الناصب على تجنيب الإمامية عذره عليه غدا عند الله تعالى لظهور أن من لا يجوز الكذب على الأنبياء فبالأولى أن لا يجوزه على الله تعالى مع أن ذلك غير لازم من الآية لجواز حمل كلمة إلا فيها على معنى لكن أي لكن من ظلم من غير المرسلين آه ونقول يجوز أن يكون المراد ممن استثنى من المرسلين بعض الملائكة المرسلين كما روت وما روت فلا يلزم عدم عصمة الأنبياء عليهم السلام وهذا من سوانح الوقت فأحسن التأمل فيه ولو أغمضنا عن ذلك فنقول الظلم وضع الشئ في غير موضعه وخلاف الأولى في حق الأنبياء عليهم السلام ظلم ووضع للشئ في غير موضعه فلا يلزم منه نفي العصمة وهل يقول من له أدنى ارتفاع عن درجة العوام أن يتأول كلام الله تعالى لدليل قام على وجوب التأويل يصير المأول مكذبا لله تعالى ولا أدري ماذا يفعل الناصب وأصحابه في المتشابهات ومن الوجه واليد والقدم الذي وقع الاجماع على وجوب تأويلها هل في ذلك تكذيب الله تعالى فالناصب وأصحابه شركاء لنا في ذلك البلية إذا عمت طابت وأما ما ذكره من أن الإمامية يقولون بأن النبي (ص) جاء للهداية ولم يهدي إلا سبعة عشر رجلا فهو أيضا مرية بلا مرية بل هم يقولون كما جاء موسى (ع) للهداية وهدى خلقا كثيرا من بني إسرائيل وغيرهم فارتدوا في أيام حياته ولم يتوفيهم أحد على إيمانه سوى هارون (ع) كذا جاء محمد صلى الله عليه وآله وهدى خلقا كثيرا لكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم كما دل عليه ما سبق من أحاديث الحوض ولم يبق فيهم مؤمن سوى من ورد عن النبي (ص) أنه منه بمنزلة هارون من موسى وسبعة عشر رجلا أخرى ولا استبعاد في ذلك بعد تحقيق ما هو أبعد من ارتداد قوم موسى (ع) من أولاد الأنبياء في أيام حياته من غير أن يكون لهم توقع نفع وولاية من السامري ولا عجله وبعد العلم بأن الذين ارتدوا من أصحاب نبينا (ص) كانوا من أولاد الكفار وقد ذهب شطر من عمرهم في الكفر والجاهلية ومع هذا قد ارتدوا بعد وفات النبي (ص) وكان لهم من العجل الذي استخلفوه وعبدوه توقع الرعاية و الحكومة والولاية وبعد ورد ما نقله المصنف سابقا عن الحميدي في الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه من مسند أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا حجر ضب لتبعتوهم الحديث وأما ما ذكره من أن المصنف شتم أزواج النبي (ص) وأصحابه فكذب وافتراء وإنما شتم علماء أهل السنة بإيراد الأحاديث الدالة على مطاعن أزواج النبي (ص) وأصحابه كما طعنهم في إيرادهم للأحاديث القادحة في عصمة الأنبياء وعلو مرتبتهم عليهم السلام وأيضا ما يدل عليه كلام الناصب من أن المصنف يشتم أزواج النبي بأجمعهن ويشتم الأصحاب بأجمعهم غير واقع بلى لو فهم الشتم والطعن مما ذكره المصنف فهو إنما شتم وطعن واحدا أو اثنين من الأزواج وثلاثة أو خمسة أو ستة أو تسعة من الأصحاب للأحاديث المروية من طريق أهل السنة أيضا في استحقاقهم للطعن والعقاب لا كل الأصحاب ولا أكثرهم ولا نصفهم ولا عشرهم بل ولا عددا يبلغ النصاب ولا استيعاب يعد ورود نص السنة والكتاب ووقوع أزواج بعض الأنبياء السابقة من الهم من الأصحاب في ورطة الارتداد عن طريق الحق والصواب واستحقاقهم
(٣١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 310 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 ... » »»