إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٠٥
على أبي بكر في الاقتصاص عن خالد ورد على بقية قومه أساراهم في أيام خلافته وهل فارق بين الطائفتين سوى أن بني حنيف كانوا من أحباء علي (ع) على ما روى أصحاب الجمل من أعدائه وأما قوله أن ذلك النهي مخصوص بالخروج مع التبرج فمردود بأن الله تعالى أمرهم أولا بالسكون في بيوتهن بقوله قرن في بيوتكن ثم عطف على ذلك النهي عن التبرج بقوله ولا تبرجن والتبرج هو إظهار الزينة فأين في كلامه تعالى لفظ الخروج حتى يخص مما يكون مع إظهار الزينة ولا يلزم فيه الخروج لجواز إظهارها على الأجنبي الداخل في البيت ومن سطح البيت على المارة كما لا يخفى وأما ما ذكره من أنه تعالى لو كان أمرهن بترك الخروج لكان يحرم عليهن الخروج للحج والجماعة فمدفوع بأن ما وجب عليهن من الحج فقد قضى مع النبي (ص) وكانوا معه (ص) في السفر في حكم قرارهن في بيوتهن وأما بعده فلنلتزم حرمة خروجهن للحج المستحب وأما حضور الجماعة في المسجد فلم يرو أحد أن نساء النبي (ص) خرجن أيام حياته أو بعد وفاته للصلاة جماعة بل المروي أنهن أن يصلين في بيوتهن بصلاة النبي (ص) في المسجد وأما ما ذكره من أن عايشة خرجت محتسبة لأن قتلة عثمان قتلوا الإمام وهتكوا حرمة الإسلام فقد مر منا ما يرشدك إلى حرمة هذا الاحتساب وأنها كانت أحق باحتساب نفسها في خروجها من بيتها الذي أمرها بالقرار فيه وهتكها حرمة النبي (ص) بل ساير أهل الإسلام بركوبها على قلوص راحلة من مرحلة ومن منهل إلى منهل كما شنع به عليها أم سلمة (رض) ومن تتمة ما شنعت به عليها قولها لو أتيت الذي أتيت ثم قيل لي ادخلي الجنة لاستحييت من رسول الله (ص) وقد أخرج البخاري في صحيحه ما سيذكره المصنف من قول النبي (ص) الفتنة تخرج من ههنا ثلثا من حيث يطلع قرن الشيطان وأشار إلى مسكن عايشة وأخرج أبو نعيم في كتاب الفتن وابن مسكويه في كتاب تجارب الأمم وابن قتيبة في كتاب السياسية والإمامة أنه لما انتهى عسكر عايشة إلى ماء الحوأب في بعض الطريق نبحها كلاب الحوأب فقالت لمحمد بن طلحة أي ماء هذا قال هذا ماء الحوب قالت فما أراني إلا راجعة قال ولم قالت سمعت رسول الله (ص) يقول لنسائه كأني بإحداكن قد نبحها كلاب الحوأب فإياك أن تكوني أنت يا حميراء انتهى ومع ظهور خطأها وعصيانها من هذه القضية قد عاقها عن الرجوع شدة معاداتها لعلي (ع) والتماس من كان معه من رؤساء الجمل سيما ابن أختها عبد الله بن الزبير اللعين المجبول على عداوة أهل البيت الطاهرين حتى روى عنه أنه ترك أيام خلافته الناقصة الصلاة على النبي (ص) فلما أنكروا عليه ذلك أجاب بأن له أهيل سوء إذا ذكروا باسمه شمخوا بأنوفهم وبالجملة بعد ظهور خطأ اجتهادها عليها من قضية كلاب الحوأب كيف حل لها الاصرار على ذلك و كيف جاز الاعتذار عن قبلها بأنها أخطأت في اجتهادها غير عاصية فيه وأما ما ذكره من أن قولها اقتلوا نعثلا شئ لم يصح في الصحاح ففيه ما مر امرارا من أن الصحيح غير محضر فيما تضمنه كتب الصحاح المتداولة وهذا مما روى في جميع ما رأينا من التواريخ والسير المعتبرة قال ابن قتيبة وذكروا أن عايشة أتاها خبر بيعة علي وكان خارجة عن المدينة فقيل لها قتل عثمان وبايع الناس عليا فقالت ما كنت أبالي أن يقع السماء على الأرض قتل والله مظلوما وأنا طالب بدمه فقال لها عبيد إن أول من طس عليه وأطمع الناس فيه لأنت ولقد قلت اقتلوا نعثلا فقد فجر فقالت عايشة قذف الله قلت وقال الناس فقال عبيد شعر منك البداءة ومنك الغير ومنك الرياح ومنك المطر وأنت أمرت بقتل الإمام وقلت لنا أنه قد فجر فقد ما أطعناك في فعله وقائله عندنا ما أمر قال ولما أتى عايشة خبر أهل الشام أنهم ردوا بيعة علي (ع) وأبو أن يبايعوه أمرت فعمل لها هودج من حديد وجعل فيها موضع لعينها ثم خرجت ومعها طلحة والزبير وعبد الله بن الزبير ومحمد بن طلحة انتهى وأما قوله أن نعثل لم يكن من أسماء عثمان فلا ينافي في تفسيرها عن عثمان بذلك إزاء له لما روى أن نعثل كان اسم يهودي رذل شبيه بعثمان في اللحية وبعض آخر من شمائله فكانت تسميه بذلك إزراء وإهانة له وقد صرح بذلك الشيخ المحدث اللغوي مجد الدين الفيروزآبادي في كتاب القاموس حيث قال النعثل كجعفر الشيخ الأحمق و يهودي كان بالمدينة ورجل لحياني كان يشبه به عثمان إذا نيل منه انتهى وأما إنكاره الناصب لعداوة عايشة بالنسبة إلى أمير المؤمنين (ع) فمن قبيل إنكار نفسه لعداوته (ع) مع ظهورها على صفحات تأليفه وفلتات لسان قلمه وكيف ينكر ذلك مع ما قد رويناه سابقا من قولها إني أكره دخول مكة ولعلي فيها سلطان وقولها عند تكلمها مع ابن عباس (رض) بعد انقضاء حرب الجمل ما فيه لكون علي (ع) أمير المؤمنين أن أمير المؤمنين كان عمر وتنفرها عن التصريح بأسم علي (ع) في بعض الأخبار الذي رواه البخاري ومسلم والتعبير عنه (ع) برجل إلى غير ذلك وقد ظهر بذلك أن ما نقله عن عايشة من استعذارها عن علي (ع) بعد حرب الجمل إنما صدر عنها على وجه النفاق ويحتمل أن يكون عايشة صادقة فيما ذكرنا من أنه لم يكن بينها وبين علي (ع) من العداوة إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وهذا لا ينفي العداوة المحرمة فإن من الأمثال السايرة أن العداوة بين القبيلة كالنار في الفتيلة فكيف بين المرأة وأحمائها فإنها ينبغي أن يكون كالحديد المحماة وأما ما ذكره من أن الناس إنما لم يساعدوا فاطمة لأن دعوى الإرث والرفع إلى الحاكم لا يحتاج إلى جر العساكر ففيه أن أخذ فدك عن فاطمة كان ظلما صريحا وغصبا فضيحا لما قدم مرارا من أنها كانت في تصرفها (ع) من زمان النبي (ص) فاخرجوا وكيلها عنها وطلبوا البينة على ذلك بخلاف ما أمر الله تعالى من أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر وإنما تكلفت (ع) إقامة البينة على ذلك في محضر أبي بكر لظنها أنه ربما يستحي عند ذلك عن الاصرار فيما قصده من الظلم والغصب وإلا فقد كانت القضية من قبيل ما قيل شعر فيك الخصام وأنت الحكم الحكم وكانت لاقية بجر العسكر لأجلها لو وجدت (ع) على ذلك أعوانا وأنصارا كما أن لعايشة الغازية المحتسبة جرت على حاكم زمانه وهو علي (ع) عسكرا فظنها أنه أخل في حكم قتلة عثمان مع عدم كونها ولية الدم فافهم قال المصنف رفع الله درجته ثم إنها جعلت بيت رسول الله (ص) مقبرة لأبيها ولعمر وهما أجنبيان عن النبي (ص) فإن كان هذا البيت ميراثا فكان من الواجب استيذان جميع الورثة وإن كان صدقة للمسلمين فكان يجب استيذانهم وإن كان ملكا لعايشة كذبهم ما تقدم من أنها لم يكن لها بيت ولا مسكن ولا دار بالمدينة وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين أن رسول الله (ص) قال ما بين بيتي ومنبري
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»