لولا العقاب لزم الاغراء بالقبيح لأن لنا ميلا إليه فلولا الزجر بالعقاب لزم الاغراء بالقبيح قبيح ولأنه لطف إذ مع العلم يريد تدع المكلف من فعل المعصية و قد ثبت وجوب اللطف فلينظر العاقل وينصف من نفسه ويعتبر من هذه المقالات التي هي في أصول الدين وعليها يبتني القواعد الإسلامية هل يجوز المصير إليها والاعتماد عليها وهل يرضى العاقل لنفسه لقاء الله تعالى باعتقاد أنه ظالم خالق للشر مكلف بما لا يطاق قاهر للعبد مكذب لما ورد في القرآن من قوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها وما ربك بظلام للعبيد إلى غير ذلك من الآيات وما وجه اعتذاره غدا عند رسول الله (ص) وغيره من الأنبياء المتقدمين في اعتقادهم أنه غير معصومين وأنه يجوز عليهم الخطأ والغلط والسهو والمعصية وأن النبي (ص) وقع منه الكفر في صلاته حيث قال تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى وأنه بال قائما وأنه قال إبراهيم (ع) كذب ثلث مرات فإن ارتضى لنفسه ذلك كفاه خزيا وعار انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول قد سمعت فيما سبق تفاصيل أجوبة ما ذكر ههنا وكرر الكلام على دابه ونقول متجشمين زحمة التكرار أن قوله منعت الأشاعرة من استحقاق الثواب والعقاب مجاب بما ذكر سابقا أن القول بعدم الوجوب على الله تعالى لا يوجب القول بمنع استحقاق الثواب والعقاب فإن قول الأشاعرة أنه لا يجب عليه شئ بل كل ما يعطى من الثواب فبفضله وما يعمل من العقاب فتصرف في ملكه بعدله في عباده لكن جرت عادته تعالى بإعطاء الثواب عقيب العمل الصالح والعقاب عقيب العمل السئ كما جرى عادته بإعطاء الشبع عقيب أكل الخبز ولا يجب عليه الاعطاء لكن عادته جرت بهذا ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا فعلى هذا كيف يخالف مذهبهم نصوص القرآن على ما ادعاه هذا الجاهل فإن ساير النصوص المذكورة مثل قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره اليوم تجزى كل نفس بما كسبت يدل على وجوب الجزاء وتحققه في الآخرة وهذا عين مذهب أهل السنة ولا تدل النصوص على وجوب الجزاء على الله تعالى وأما ما ذكر أنهم خالفوا المعقول وهو قبح التكليف المشتمل على المشقة من غير عوض فكلام غير معقول لأن العوض إذا كان مفقودا يلزم هذا القبح إلا أن العوض كان غير واجب والكلام في عدم الوجوب وأيضا لا يلزم الاغراء على من قال كل الخبر تشبع مع أن وجود الشبع عقيب أكل الخبز ليس بواجب وأما وجوب اللطف فهو تم كما علمت أنه لا يجب عليه شئ ثم ما ذكر من الطامات وجرى على دابه في ميدان المزخرفات فنقول مجيبا له طرزه فلينظر العقل المتبصر هل يرضى العاقل لنفسه لقاء الله تعالى باعتقاده أنه يجب عليه حقوق العباد وهو مديون لهم وله شركاء في الخلق مغلولة اليد ليس له التكليف إلا بما يرضى به العبد كاذب في قوله وعصى ربه وكاذب في قوله إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل من بعد سوء حسنا وما عذره عند الله في نسبته الكذب إليه في كلامه وأن محمد (ص) جاء للهداية ولم يهد إلا سبعة عشر رجلا وشرذمة قليلة في كل عهد وما عذره عند رسول الله (ص) إذ يشتم أزواجه ويشتم أصحابه ويكفرهم ويقول لبيت رسول الله (ص) أنه مطلع قرن الشيطان وغيره من المزخرفات والعقايد الباطلة التي ذهب إليها الرافضة المتسمية بالإمامية والحمد لله الذي فضحهم وأهرق دماءهم بسنان قلمنا في آخر الزمان وأبقى لهم وبطلان مذهبهم على صحايف الملوان وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه وعترته أجمعين والحمد لله رب العالمين رقع الفراغ بحمد الله من ذب هذا الشيطان المبتدع من العقايد الإسلامية الأصولية المسماة بعلم الكلام والآن نشرع في إبداء أباطيله في علم أصول الفقه وليعلم أن ما ذكره في أصول الفقه مما هو محل خلاف الأئمة وافق كلام أحد من الأئمة الأربعة فلا نتكلم عليه إلا إذا أساء الأدب ونسبهم إلى مخالفة النصوص لأن جميع المذاهب الأربعة في هذا الأمر واحد لأن كلها مذهب أهل السنة فإن وافق واحدا منهم فلا علينا أن نعارضه فيه فإن السنة قد قامت وليس لنا عند معارضته خصم السنة أن نرجح بعض أقاويل علمائها على بعض بل علينا قطع رقبة ابن المطهر بالمقضاب المشهر وهذا يحصل إذا وافق أحدا من أهل السنة وأما الترجيح قي أقوالهم ومذاهبهم فليطلب من مصنفاتنا في أصول الفقه وإن خالف المذاهب الأربعة فقطع رقبته إن شاء الله تعالى بالبرهان القاطع والبيان الساطع ونسأل الله التوفيق في كل حال وهو الموفق والمعين انتهى وأقول قد أسمعناك فيما سلف وجوه الرد على أجوبة الناصب وأن القول بعدم إيجاب شئ على الله تعالى وأن لم يستلزم منع استحقاق الثواب والعقاب لكنه يستلزم جواز المنع بل قد صرحت الأشاعرة بجواز انعكاس القضية فيلزم المفاسد التي ذكرها المصنف لزوما ولاسرة به وأما قاعدة جريان العادة فقد عرفت في فواتح الكتاب ما فيه من النقض والإبرام وسمعت قبيل ذلك أنه لا معنى للاحتياج بجريان العادة في أحوال الآخرة وبهذا يعلم أن استدلاله على ذلك بقوله تعالى ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا باطل لأن كلا من الآيتين ورد في أمر جرى في الدنيا أما الأولى ففي كل قوم أخرجوا رسولهم من بينهم وأما الثانية ففي قتل الذين ينافقون الأنبياء أينما ثقفوا أي لا ينسخ هذين الحكمين الذي يبتذل فإن النسخ في الأحكام لا في الأفعال والأخبار وأما ما ذكره من أن النصوص التي ذكرها المصنف مثل قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذره خيرا يره واليوم تجزى كل نفس بما كسبت يدل على وجود الجزاء وتحققه في الآخرة وهذا عين مذهب أهل السنة ولا يدل النصوص على وجوب الجزاء على الله تعالى ففيه أن المصدر لم يذكر تلك النصوص للاستدلال على وجوب الجزاء حتى يتوجه عليه ما ذكره وإنما استدل بها على مسألة أخرى ذهبوا إليه وهي أن الثواب والعقاب مستحقان على الطاعة والمعصية فإن الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب والعقاب مقتضيات لها كاقتضاء ساير الأسباب لمسبباتها فإن الأشاعرة كما مر خالفوا في هذه المسألة ولم يجعلوا للأعمال تأثيرا في استحقاق الجزاء أصلا ولا شك أن لتلك النصوص دلالة على ذلك كما قصده المصنف فما ذكره الناصب خلط للبحث فرارا عن الالزام والاعتراف بالحق كما لا يخفى وبهذا سقط أيضا ما ذكره من أن العوض إذا كان مفقودا يلزم قبح التكليف لا إذا كان العوض غير واجب وذلك لما عرفت من أن كلام المصنف صريح في أن الكلام في الاستحقاق ولا ريب في أن قول الأشعري بعدم الاستحقاق يستلزم قبح التكليف ووصول نفع إلى المكلف اتفاقا لا يدفع القبح ومن أين يعلم المكلف ذلك في الدنيا حتى يرتفع قبح التكليف عن نظره في الدينا وكذا الكلام في لزوم الاغراء بالقبيح على القول
(٣١٤)