إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٠٨
الناصب خفضه الله تعالى أقول ما روي من عايشة أنها قالت إني قاتلت فلانا فهذا اعترف منها وندامة على الخروج فإن كان الخروج ذنبا فقد صحت توبتها عنه وإلا فلا عليها شئ من الخروج لأنها عملت بالاجتهاد وأما ما ذكره من حديث العسل فكان هذا من باب غيرة النساء بعضهن على بعض وهل يؤاخذن بها وأما حمل السر الذي أفشاها النساء على شرب العسل فبعيد ولم يذكره المفسرون نعم ذكروا ذلك الحديث في هذا المبحث بل حملوه على وقوع رسول الله (ص) مارية في بيت حفصة كما ذكرنا وأما قوله فهذا يدل على بغضها في الغاية فهذا مخالفة لما علم بالضرورة من الدين وهو أن رسول الله (ص) يحب عايشة حبا شديدا ولا يحب أحدا من النساء مثل حبها وهذا معلوم من ضرورات الأخبار الدينية فكيف يثبت أنه (ص) يبغضها وأما قول ابن الزبير لأحجرن فهذا يدل على غاية كرمها وعطائها حتى أن ابن الزبير فقد حجرها لكثرة عطائها وبسط يدها في العطية وقد أنكرت عايشة على قوله حتى هجرته وأما قوله أن رسول الله (ص) أشار إلى حجرة عايشة وقال ههنا الفتنة فما أجهله بمعاني الأحاديث وما أراد فهمه في تلقي معاني الأخبار كانت حجرة عايشة في جانب الشرق من المبر وأشار رسول الله (ص) إلى الشرق كم يفسره باقي الأحاديث وهو أن رسول الله (ص) أشار إلى الشرق وقد فسره رسول الله (ص) بقوله حيث يطلع قرن الشيطان والمراد منه الشرق لأنه جاء في حديث آخر أن الشمس حين تطلع بين قرني الشيطان فبهذا فسر رسول الله (ص) إشارته وأنه يريد جانب المشرق ولو كان المراد حجرة رسول الله (ص) التي كانت لعايشة فكيف يق أن قرن الشيطان تطلع من حجرته المقدسة والحال أن رسول الله (ص) يطلع من الحجرة وهذا غاية الجرءة الموجبة لصحة تكفير ابن المطهر البخس وأنى لابن المطهر إساءة الأدب لأهل حرم رسول الله (ص) والتكلن؟ فيهم فهل هذا إلا جرأته على الله ورسوله وقد قال رسول الله (ص) يوم الإفك من يغدرني فيمن آذاني في أهل بيتي وهذا الرجل يؤذي رسول الله (ص) وقد قال رسول الله (ص) في شأن عايشة ذلك اليوم على المنبر وما علمت على أهل الأخير إثم إن ابن المطهر جاء في آخر الزمان وأثبت في أهل بيت رسول الله (ص) الشر والفساد وسمي بيت رسول الله (ص) محل قبره المكرم مطلع قرن الشيطان وجزاء هذا إن أحدا من ملوك الإسلام يعمد إلى قبر ابن المطهر فيخرجه من حفرته ويحرقه فهناك مطلع قرن الشيطان ومغرب لعنه الرحمن انتهى وأقول طعن المصنف على عايشة ههنا إنما هو لتعبيرها عن علي (ع) فلأن دون أن يذكر لقبه بقولها الشريف واسمه السامي مقرونا بالتعظيم ويظهر من سوء أدبها ي هذا التعبير أن قولها لوددت إني كنت نسيا منسيا لم يكن ندامة منها على الخروج في حرب الجمل كما توهممه الناصب بل كان تأسفا على عدم ظفرها فيه مشيرا تقصير عبد الله وأبيه الزبير في الحرب يؤيد ذلك ما روي عن بهلول والظفر على علي بن أبي طالب (ع) يعني أن الظفر على علي كان من أهم مسئولات عايشة فكان ينبغي أن يضمه ههنا على ما قصد سؤاله من العفو والعافية ويدل عليه أيضا ما مر من تعبيرها أيضا عن علي (ع) برجل وبثالث فتذكروا ما كون خروجها ذنبا وعصيانا وإثما كبيرا فقد مر ما يتعلق به دليلا وتقريرا وأما ما ظنه من صحة توبة عايشة فسقيم جدا لأن توبتها لا يحصل بمجرد الندم عن الخروج من البيت والحرب بل يتوقف على التفصي عما إراقتها من دماء المهاجرين والأنصار وما نهبت من بيت مال المسلمين إلى غير ذلك من المفاسد والمظالم ولم يتحقق منها شئ من ذلك وأنى لها ذلك وأيضا قد نقل ابن حجر المتأخر في فاتحة صواعقه عن الطبراني والبيهقي أن الله احتجر التوبة على صاحب كل بدعة وعن البيهقي لا يقبل الله تعالى لصاحب بدعة صلاة ولا صوما ولا عدلا يخرج من الإسلام كما يخرج الشعرة من العجين انتهى فكيف يكون حال من ابتدع الخروج على إمام زمانه وههنا زيادة تحقيق وتفصيل ذكرناها في كتابنا الموسوم بمصائب النواصب فليرجع إليه من أراد وأما اجتهادها واجتهاد أبيها واجتهاد عمر وعثمان ومعاوية وأضرابهم في مخافة إمام أهل البيت (ع) فإنما يسلم بالمعنى اللغوي وهو بذل الجهد والطاقة في معاداتهم وغصب حقوقهم وإلا فهم كانوا قاصرين جدا عن مرتبة الاجتهاد الذي هو استنباط الفروع من الأصول فإن أهم العلوم الاجتهادية العلم بمعاني القرآن الكريم والسنة النبوية لاستنباط الأحكام الشرعية وقد عرفت من أول الكتاب إلى ههنا أنهم كانوا أجهل خلق الله بذلك وإنما كان شأنهم في حكومتهم وقضاياهم شأن العوام الذين في زماننا يستأجرون القضاء عن السلاطين الرومية العثمانية ثم يسئلون عن الناس ويحكمون به كما أفتى به أبو حنيفة والظاهر أن هذا الفتوى منه مأخوذة من سيرة خلفائه الثلاثة ومعللة بها وإنما خالفه الشافعي في هذا الفتوى تحاشيا عن التعليل بما يوجب نسبة الخلفاء إلى الجهل والله أعلم وأما قوله إن ما ذكره من حديث العسل كان من باب غيرة النساء وهل يؤاخذن بها فجوابه نعم يؤاخذن بها بعد ما سمعن مضمون قوله تعالى يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن الآية ولولا اتقائهن عن مثل ذلك فما وجه امتيازهن عن النساء المحصنات الأخر فإن امرأة لوط (ع) كانت صاحبة له ولم ينفعها ذلك بدون الاتقاء عن مخالفته في أوامر الله تعالى وأما ما ذكره من أن المفسرين لم يحملوا السر إلى أفشاها النساء على شرب العسل ففيه أن القسطلاني شارح البخاري فسره بأحد الأمرين من قصة العسل وقصة مارية مع أنه لو تم الايراد المذكور فإنما يرد على الحميدي الراوي الذي هو من أكابر أسلاف الناصب لا على المصنف لأنه لا يفتقد قصة الحميدي ولا صحة أحاديثه وإنما يستدل باتحديثه؟ إلزاما للخصم المعتقد لثقته وصحتها وأما قوله أن بغض النبي (ص) لعايشة في ذلك مدفوع بكون حبه إياها صار من ضروريات الدين فمردود بأنه إنما هو من ضروريات دين النواصب الذين وضعوا الأحاديث في مناقبها الرواي الذي هو من أكابر أسلاف المناصب لا على المصنف لأنه لا يعتقد قصة الحميدي خاملة في عصر الخلفاء الثلاثة وإنما وضع النواصب تك الأحاديث فط شأنها وبالغوا في إظهار فضيلتها بعد ظهور عداوتها لأمير المؤمنين (ع) ولهذا ترى أن محمد بن أبي بكر (رض) مع كونه أخا صالحا فاضلا لها لم يساوم معها ولا مع معاوية الباغي في التعبير عنه بحال المؤمنين لأنه كان من خلص شيعة أمير المؤمنين (ع) مع أنه يعارض روايات الحب ما نقله المصنف عن الحميدي ههنا من روايات البغض و أن النبي (ص) كان يمكث عند زينب بنت جحش حتى غارت عايشة وحفصة من ذلك وما نقل قبيل ذك من أنه صلى الله عليه وآله وسلم خلا بمارية
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»