إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣١٣
فقد مر جواب هذا وهو أنه تعالى ليس بظالم في هذا التصرف لأنه ملكه وله أن يتصرف في ملكه كيف يشاء يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون هذا مذهب أهل الحق وما ذهب إليه هذا الرجل وأمثاله بدعة باطلة ناشية من أصول فاسدة كما أفسادها بحمد الله تعالى في هذا الكتاب مفصلا انتهى وأقول كونه قهارا منتقما إنما يستدعي قهره على الذين فعلوا الكفر والمعاصي بسوء اختيارهم لا أن يخلق جماعة في الأول كافرا فإن بعد خلقهم على هذا الوجه لا يليق بحكمته تعالى أن يقهرهم وينتقم منهم وأيضا هذا قول بالجبر المحض لأنه تعالى لو كان خلق بعضهم في الأزل مؤمنا وبعضهم فيه كافرا لا يمكنهم التخلف عن مقتضى ما خلقوا عليه فيكونون مجبورين في مباشرة الكفر والإيمان والطاعة والعصيان فيبطل قولهم بأن الكسب والمباشرة باختيار العبد هربا عن الجبر المحض وأما قوله أن خلق الله تعالى الكفر والعقوبة عليه ليس بظلم لأنه ملكه وله أن يتصرف في ملكه كيف شاء ففيه أنه مكابرة صريحة لأن العقل السليم حاكم بأن للسيد والحاكم على الاطلاق أن يتصرف في ملكه وعبيده ابتداء كيفما شاء وأما بعد أمرهم بارتكاب مشقة التكليفات واجتناب لذات المعاصي وإرسال الرسل والوعد والوعيد فتعذيب من أطاعه وتحمل الشدايد طلبا لمرضاته وتعظيما لرسله وتكريم من عصاه والتذبه؟ مخالفة لأمره و إهانة لرسله قبيح بالضرورة ويورث كذب ما ورد من الوعد والوعيد ولو جوز ذلك لا ارتفع الوثوق والاعتماد عن الشريعة بالكلية وبالجملة تصرف المالك في ملكه إنما لم يكن ظلما إذا كان على وجه الحكمة فأما إذا لم يكن على وجه الحكمة يكون سفها وظلما ولا يوصف الله تعالى بالقدرة على الظلم والسفه و نحوهما لأنهما محال على الله تعالى وهذا واضح بين لا يرتاب فيه من استحق الخطاب ولكن جعل الله على قلوبهم أكنة من فهم الصواب وفي آذانهم وقرا من استماع الخطاب فمثلهم في قول الشاعر شعر لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ونار لو نفخت بها أضاءت ولكن أبت ننفخ في رماد وأما ما استدل به على أن له تعالى التصرف كيف ما شاء من قوله تعالى يفعل الله ما يشاء من الأفعال الحسنة وأما قوله تعالى لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فهو لنا لا علينا وذلك لأنه تعالى لا يفعل فعلا يستوجب أن يقال له لم فعلت بل كل أفعاله على قانون العدل والحكمة بخلاف أحدنا ويؤيد ذلك قوله تعالى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقوله ولو إنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا وقوله وكان الإنسان أكثر شئ جدلا وأمثال ذلك مما يدل على أنه تعالى يجوز أن يسأل فيما لا يظهر حكمته فيه ولا يلزم الناصب أن يقول في القرآن المجيد بالتناقض وهو منزه عن التناقض فقد بان لك أن المعاصي ليست من فعله تعالى فلا يليق أن يسمى خلافه بمذهب أهل الحق كما فعله الناصب الباطل مع ظهورها كساير نظايرها المنثورة في جرحه هذا من هفواته وهفوات أصحابه أباطيل ناشية من عدم أخذهم لأحكام الدين من مشكاة النبوة والولاية بل من مخلات أصول جماعة وقد دل على خطأ أصلهم و فرعهم الآية والرواية كما عرفت وستعرف إن شاء تعالى فلا اعتبار لوعوعته ولا اعتداد بوسوسته وإنما الاعتبار بذي النظر الصائب الذي يعطي كل ذي حق حقه والله يحق الحق ويبطل الباطل بلطفه وكرمه قال المصنف رفع الله درجته المسألة السادسة في المعاد هذا أصل عظيم وإثباته من أركان الدين وجاحده كافر بالإجماع ومن لا يثبت المعاد البدني ولا الثواب والعقاب وأحوال الآخرة فإنه كافر إجماعا ولا خلاف بين أهل الملل في إمكانه لأنه تعالى قادر على كل مقدور ولا شك في أن إيجاد الجسم بعد عدمه ممكن وقد نص الله تعالى عليه في قوله أوليس الذي خلق الله السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وقال الله تعالى من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم والقرآن مملوء من ذكر المعاد وإن اختلفوا في كيفية الإعادة والإعدام وتفاصيل ذلك ذكرناها في كتبنا الكلامية لكن البحث ههنا عن شئ واحد وهو أن القول بإثبات المعد البدني الذي هو أصل الدين وركنه إنما يتم على مذهب الإمامية أما على مذهب أهل السنة فلا لأن الشريق إلى إثباته ليس إلا السمع فإن العقل إنما يدل على إمكانه لا على وقوعه وقد بينا أن العلم بصحة السمع وصدقه إنما يتم على قواعد الإمامية القايلين بامتناع وقوع القبيح من الله تعالى لأنه إذا جاز ذلك جاز أن يخبرنا بالكذب أو يخبر ما لا يريده ولا يقصده ويمتنع الاستدلال بإخباره تعالى على إثبات المعاد البدني والشك في ذلك كفر فلا يمكنهم حينئذ الجزم بالإسلام البتة نعوذ بالله من هذه المقالات التي توجب الشك في الإسلام انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول قد سمعت فيما مر مرارا أن إجماع جميع الأمة واقع على امتناع وقوع القبيح من الله تعالى وامتناع الكذب عليه تعالى عن ذلك لكن المعتزلة ومن تابعهم من الشيعة وغيرهم أسندوا امتناع القبح والكذب عليه بالحسن والقبح العقليين والأشاعرة أسندوها إلى لزوم النقض وصفاته ولا نزاع في المدعي إنما النزاع في طريق إثباتها فالأشاعرة يثبتون من طريق لزوم النقص وهو مح والمعتزلة والشيعة يثبتون من طريق الحسن والقبح العقليين وقد عرفت أيضا فيما سبق أن كل الدلايل التي أقام هذا الرجل على امتناع فعل القبيح من الله تعالى كلها من باب إقامة الدليل على غير محل النزاع ثم يكرر في هذا المقام ويأتي بكلامه المفتري ويرتب عليه المفاسد انتهى وأقول نعم قد اجتمعت الأمة على أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب لكن الأشاعرة من جهة أنه لا قبيح منه ولا واجب عليه ولذلك أسندوا خلق جميع الأفعال إليه تعالى سواء كانت حسنة أو قبيحة والإمامية والمعتزلة من جهة أنه يترك القبيح ويفعل الواجب وهذا الخلاف مبني على الخلاف في أن الحسن والقبح عقليان أو شرعيان فطهر أن الناصب قد خبط في تقرر محل النزاع والوفاق وأن أدلة المصنف قد سبقت إلى المساق وبالجملة تسمية القبيح الصادر عنه تعالى حسنا لا يسد باب جواز الكذب عليه على أصل الأشعري غايته أنه لا يكون الكذب منه قبيحا وبمجرد جواز الكذب عليه يلزم امتناع الجزم بثبوت المعاد البدني الذي أخبر به تعالى كما أفاده المصنف قدس سره سواء كان ذلك الكذب حسنا أو قبيحا كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته ومنعت الأشاعرة من استحقاق الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية وخالفوا في ذلك نص القرآن وهو قوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال الله تعالى اليوم تجزى كل نفس بما كسبت اليوم تجزون ما كنتم تعملون هل جزاء الاحسان إلا الاحسان والقرآن مملوء من ذلك وخالفوا أيضا المعقول وهو قبح التكليف المشتمل على المشقة من غير عوض لأنه تعالى غني عن ذلك و
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»