إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٠٤
وأقول كون كل حجرة جعل ملكا لواحدة من النساء دعوى مجردة لم يدل عليه سنة ولا خبر صحيح عن الصحابة الكرام ويدل على خلافه وإن لحجرة لم تكن ملكا لعائشة بل كان ميراثا قول ابن عباس (رض) لعايشة في شعره المشهور حين توهمت أنه يدفن أبا محمد الحسن (ع) عند جده (ص) ومنعت من أن يجدد به (ص) عهدا وجاءت راكبة على بغلة لذلك شعر تجلت تبغلت ولو عشت تفيلت لك التسع من الثمن وبالكل تطمعت فلو كان البيت ملكا لعايشة لوقع قول ابن عباس لك التسع من الثمن لغوا وأما ما ادعاه فاطمة النحلة ليس بمذكور في الصحاح فقد تر أن الصحيح ليس بمنحصر في المذكور فيما قصده من الصحاح بل الصحاح يزيد على ما في تلك الصحاح بعدد الكسور والصحاح حتى نقل ابن كثير الشامي واليافعي في تاريخهما أن الحافظ الكبير ابن عقدة كان يروي مائة ألف حديث في مناقب أهل البيت عليهم السلام غير ما كان يرويه في الأبواب الآخر من أضعاف ذلك وكل من البخاري ومسلم كان يروي مائة ألف حديث صحيح وما يقرب منه مع أن ما في كتابيهما بعد حذف المكررات والمتداخلات لا يبلغ سبعة آلاف حديث وأما ما نقله عن شرح البخاري من أن أزواج النبي (ص) في معنى المعتدات فتجه لكن عايشة ما اعتدت بعدته وخرجت عن عدة النبي بما فعلته من النشوز والعصيان كما عزفت على أن إبقاء المعتدات في بيوت الأزواج إنما يجب في عدة الطلاق الرجعي دون غيره فإن المعتدة الغير الرجعية لا يستحق عندنا وعند فقاء أهل السنة سكنى ولا نفقه أيضا وأيضا لا نسلم إن في حكم الشئ حكمه حكم ذلك الشئ بل الحكم بذلك لحكم قال المصنف رفع الله درجته وخرجت عايشة إلى قتال أمير المؤمنين (ع) ومعلوم أنها عاصية بذلك أما أولا فلأن الله تعالى قد نهاها عن الخروج وأمرها بالاستقرار في منزلها فهتكت حجاب الله تعالى ورسوله وتبرجت وسافرت في محفل عظيم وجم غفير يزيد على ستة عشر ألفا وأما ثانيا فلأنها ليستولى الدم حتى تطالب به ولا لها حكم الخلافة فبأي وجه خرجت للطلب وأما ثالثا فلأنها طلبته من غير من عليه الحق لأن أمير المؤمنين (ع) لم يحضر قتله ولا أمر به ولا واطاء عليه و قد ذكر ذلك كثيرا وأم رابعا فلأنها كانت تحرض على قتل عثمان ويقول اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا فلما بلغها قتله فرحت بذلك فلما قام أمير المؤمنين (ع) بالخلافة أسندت القتل إليه وطالبته بدمه لبغضها له وعداوتها معه (ع) ثم مع ذلك تبعها خلق عظيم وساعدها عليه جماعة كثيرة الوفا مضاعفة و فاطمة (ع) لما جاءت تطال بحق إرثها الذي جعله الله لها فتابه العزيز وهي محقة فيه لم يتبعها مخلوق ولم يساعدها بشر انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد سبق أن من خرج على علي (ع) في أيام خلافته فهو باغ والباغي عند الشافعي من يخرج على الإمام لشبهة وهؤلاء خرجوا على علي (ع) فهو الإمام بشبهة إن في عسكره قتلة عثمان لا إنهم كانوا يطلبون دم عثمان من علي وهذا الرجل فيما مر من الكلام أثبت اعتراف علي بقتله عثمان وقد أبطلناه فما ذكره هيهنا من تبرية علي من دم عثمان مناقض لما ذكره هناك وما ذكر أن عايشة كانت عاسة؟ فعند أصحاب الشافعي أن البغي ليس اسم الذم ولا هو من العصيان بشئ لأنه خروج بالشبهة فصاحبه مجتهد والمجتهد المخطي ليس بعاص وأما ما ذكر أن الله تعالى نهاها عن الخروج فذلك النهي مخصوص بالخروج مع التبرج لا كل خروج و الخروج بالتبرج كان من دأب نساء الجاهلية يتبرجن بالحلي فيخرجن لإراءة الربوج والحلي للناس فيطمع الناس فيهن فهذا تبرج الجاهلية ولو كان الله تعالى أمرهن بترك الخروج مطلقا لكان يحرم عليهن الخروج للحج والجماعة وهذا باطل إجماعا فالنهي مخصوص بالخروج بالتبرج وأما ما ذكر إنها ليست ولي الدم حتى تطالب به ولا لها حكم الخلافة فجوابه إنها خرجت محتسبة لأن قتلة عثمان قتلوا الإمام وهتكوا حرمة الإسلام فخرجت تريد الاحتساب وأخطأ في هذا الخروج مع الاجتهاد فيكون الحق مع علي وهي لم تكن عاصية للاجتهاد وأما قولها اقتلوا نعثلا فهذا شئ لم يصح في الصحاح وإن صح فنعثل لم يكن من أسماء عثمان وربما أراد شخصا آخر وما ذكر أنها كانت عدوة لأمير المؤمنين (ع) فهذا كذب وزور وباطل بل ذكر أرباب الأخبار أن بعد الفراغ من وقعة جمل دخل علي على عايشة فقالت عايشة والله ما كان بيني وبينك إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها فقال أمير المؤمنين والله ما كانت إلا هذا وهذا يدل على نفي الغداوة بل هذا من مقاولات وأحوال يكون بين المرأة والأحماء ولا يسميه الناس عداوة وأما ما ذكر أن عايشة ساعدها الناس الكثير فالجواب أنهم كانوا يطلبون بدم عثمان فتابعوه لأن قتلة عثمان كانوا في عسكر علي وأما قوله ولم يساعد أحدا فاطمة فنقول لأن دعوى الإرث و الرفع الحاكم لا يحتاج إلى جر العساكر والمساعدة فإن هذا دعوى وبينة وجواب من الحاكم مع إنا قد أثبتنا أن دعوى الفاطمة النحلة وإقامة البينة غير صحيحة انتهى وأقول من المشهور المسطور في كتب الجمهور أن عايشة وطلحة والزبير خرجوا من مكة إلى بصرة ونهبوا بيت مال المسلمين وقتلوا جمعا من عمال علي (ع) وأخرجوا عامله عثمان بن حنيف الصحابي الأنصاري (رض) على الحالة الشنيعة المذكورة في تلك الكتب وكل ذلك مما يكذب قول الناصب إنهم كانوا طالبين لقتلة عثمان لظهور أنه لو كان غرضهم ذلك دون أخذ الخلافة لوجب عليهم التوجه إلى المدينة وطلب القتلة من علي (ع) هناك وأيضا كيف يتصور الاجتهاد مع وجود الإمام النايب عن النبي (ص) وكيف يتصور الاحتساب في مطالبة دم واحد يحتاج إلى ارتكاب إراقة دماء جمع من المسلمين من أصحاب علي (ع) ونهب بيت المال في البصرة أولا ثم الاصرار في ذلك حتى يهلك ألوف منهم وأيضا قد ناقض الناصب نفسه فيما قاله سابقا عندما ذكر المصنف الحديث السابع عشر المنقول عن مسند أحمد بن حنبل حيث قال أن البغاة كانوا يتولون القرآن ويدعون الخلافة لأنفسهم وقاتلهم أمير المؤمنين انتهى ثم كيف يكون محاربوا علي مخطئين غير عاصين مع ورود الحديث المشهور بين الجمهور م نقوله (ص) يا علي حربك حربي وسلمك سلمي وغيره مما ورد بمعناه وأيضا ما الفرق بين بني حنيف الذين منعوا الزكاة عن أبي بكر بشبهة أن الزكاة مما لا يجب دفعه بعد النبي (ص) إلى أحد يقسمه إلى الفقراء وإنما علينا أن نقسمه على فقراء قومنا أو بشبهة عدم استحقاق أبي بكر للخلافة على اختلاف القولين وبين أصحاب الجمل الذين خرجوا على علي (ع) بإحدى الشبهتين الأخرتين حتى يسمى الأول مرتدا عاصيا دون الثاني مع أن مالك بن نويرة رئيس بني حنيف كان صحابيا أيضا وقد أظهر عمر بأن خالدا قتله وقومه بغير حق وبالغ.
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»