إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٠٣
فالصواب فيه أن يقول أنه على طريق محاورات أهل الجاهلية وإلا فجمهور من أسلم من العرب سيما أكابر الصحابة الكرام الذين تأدبوا في صحبته (ص) بأدب الله وحسن المخاطب لم يكونوا جارين هذا المجرى خصوصا في الأقوال الذي كان بلاغتهم داعبة فيها إلى رعاية مقتضى الحال وتعظيم الله تعالى و نبيه في المقال كما دل عليه رد النبي (ص) على الذي خطب عنده وأهل تعظيم الانفراد وبذكر الله تم في زمرة من الكلام حيث قال من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ومن عصاهما فقد غوى فقال له (ص) بئس خطيب القوم أنت قل ومن عصى الله ورسوله فإذا كان دقة الأدب بهذه الرتبة كيف يصح من عمر ذكر النبي (ص) ترك الأدب والإتيان بأسلوب محاورة أجلاف العرب وهل كان في كون عباس عم رسول الله (ص) ووارثه في الجملة وكونه ابن أمية خفا أو كان في وجه مطالبته علي (ع) الميراث في ذلك المقام اشتباه حتى احتاج إلى إلقاء ذلك الكلام المورث لا يلام وعلى تقدير تسليم الاحتياج إليه ما كان يضره ولا كلامه لو قرنه بالصلاة والسلام ولقد كفانا مؤنة دفع مكابرة الناصب في كلام عمر الذي أفسد الدهر ما نقله ياقوت الحموي في أرباب الضعفاء في باب من كتاب المعجم البلدان عن عبد الرزاق بن همام الصنعائي شيخ أحمد بن حنبل وغيره من أكابر المحدثين حيث قال حدثنا علي بن عبد الله المبارك الصنعائي عن زيد بن المبارك أنه قال كنا عند عبد الرزاق فحدثنا بحديث معمر عن الزهري عن مالك ابن أوس الحدثان الطويل فلما قرأ قول عمر لعلي والعباس فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك وبطلب هذا ميراث مدته من أبيها قال لا يقول الأنوك لرسول الله (ص) انتهى ولا يخفى أن معنى الأنوك الأحمق فتأمل وأما ما ذكره من أن عمر عبر عن رسول الله في صدر الحديث بقوله قال رسول الله ففيه أن المصنف لم يقل إن عمر يتكلم في عمر قط بما فيه تعظيم رسول الله حتى يلزم من ذلك عدم تكلمه عند إسلامه بشهادة أن محمدا رسول الله (ص) أيضا بل مراده أنه عند خطاب علي وعباس وفاطمة واستخفافه لهم استخف بذكر رسول الله (ص) أيضا إتماما للاستخفاف بهم والتعظيم السابق لا يوجب إصلاح الاستخفاف اللاحق كما عرفت في إعراضه (ص) من الخطيب وأما الذي منعه عن توجيه الصلاة والسلام إليه في بقيه الكلام لولا عدم مبالاته بتعظيمه (ع) مع وجوب الاكثار منها وعدم الغفلة منها عند القاضي أبي بكر وجماعة واستحبا بها عند آخرين وأما قوله أن عمر ما ذكره باسمه حتى يرد ما يقول (ص) ففيه أن المصنف لم يقل أن عمر ذكر النبي (ص) باسمه حتى يجاب بإنكار ذلك بل قال ما حاصله أن الله تعالى راعى تعظيم النبي إلى غاية لم يذكره في أكثر الخطابات باسمه بل ذكره بألقابه تعظيما لشأنه وقد ذكره عمر في كلامه هذا من غير أن يعبر عنه باللقب ولا لشئ آخر يدل على تعظيمهم وبالجملة التعظيم إنما يحصل بترك الاسم والإيراد اللقب كما وقع في القرآن الكريم لا بتركهما جميعا كما فعله عمر وأيضا قد مر أن من محاسن الأدب عدم مخاطبة أحد من آحاد المؤمنين سيما أكابرهم بتاء الخطاب وكافة وأن يخاطب الواحد منهم بصغير الجمع وبنحو قوله يا سيدي ويا قدوتي ولا يقول له أنت كذا وقلت كذا أو فعلت كذا بل يقول أنتم وقلتم وفعلتم وأن لا تسميه في غير ما سمه إلا مقرونا بما يشعر بعظيمه وقد أخل عمل جميع هذه الآداب بالنسبة إلى النبي (ص) والولي وعمهما وسيدة النساء كما لا يخفى بل بتعبيره عن علي (ع) بلفظة هذا صريحة في إرادة الاستخفاف والاستهجان كما بينه أهل اللسان وأما ما ذكره من أن المصنف دخل في حديث البخاري قوله إنما خائفا غادرا ففيه أن المصنف جمع الزيادة الاعتماد بين ما رواه البخاري ومسلم كما صرح به وتلك الزيادات لم تكن في حديث البخاري مفصلا فهي موجودة فيه وذكر في حديث مسلم مفصلا أن ما نقله الناصب من قول البخاري كما تقولان عملا إنما فصل في حديث مسلم بقوله كاذبا خائفا غادرا غاية الأمر البخاري لما رأى أن في ذلك التفصيل يفضح حال خليفته بدله بقوله كما تقولان كما أن بعضا آخر منهم بالغ فالاختصار والإحراز وذكر بدل تو أن أبا بكر فيها كما تقولان بقوله أن أبا بكر فيها كذا ولهذا أيضا بدل الناصب لفظ تزعمان بقوله تذكران وكل ذلك في مرتبة الوضع كما لا يخفى ثم لولا أن الناصب علم أن تلك الزيادة موجودة في رواية مسلم وعائد في نسبة إدخالها كذبا إلى المصنف لكان الظاهر أن يطلق في نسبة الادخال أو يقول بأنه أدخلها في رواية البخاري ومسلم لا أن يقتصر في نسبة إدخالها في رواية البخاري فقط فليراجع ولي الناصب إلى صحيح مسلم وجامع الأصول حتى يتبين صدق المقال عليه وأما ما ذكره أن الحاكم كثيرا ما يفرض ويقول في كلامه على سبيل التقدير مثل ذلك من غير إرادة ثبوت ذلك فإنهم كما منعوا الحاكم من اليمين الذي لا يؤمن معه من جرءة الخصوم كذلك منعوه من العبوسة والانقباض الذي يمنعهم عن طلاقة اللسان بالحجة فكيف يكون الحال مع تلك الاتهامات والتقديرات الشنيعة وأما قوله لم يرد حقيقة هذه النسبة فلا يحصل له سوى أن عمر كان يتهما بذلك ويهددهما وإلا فلا معنى لإلقاء كلام لا يراد به معناه الحقيقي ولا لازمه و ح كان لكل منهما أن يعتذر عن الآخر ثم كيف لا يتوقع من عمر إرادة حقيقة هذه النسبة مع علم من عداوته لأهل البيت وسوء ظنه بهم وهو الذي منع أبا بكر عن دخوله وحده على علي (ع) عند استنكار علي (ع) وجوه الناس يفوت فاطمة (ع) وطلبه أبا بكر في بيته وحده للمصالحة كراهة محض عمر فقد روى مسلم أنه قال عمر لأبي بكر والله لا تدخل عليهم وحدك الحديث قال المصنف رفع الله درجته وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين من النبي (ص) أراد أن يشتري موضع المسجد من بني النجار فوهبوه له وكان فيه نخل وقبور المشركين فقلع النخل وخرب القبور وقد قال الله تعالى لا تدخلوا بيوت النبي ومن المعلوم أن عائشة لم يكن لها ولا لأبيها دار بالمدينة ولا أثرها ولا بيت واحد من أقاربها وادعت حجرة أسكنها فيها رسول الله (ص) فطلبها أبوها إليها ولم يفعل أيضا كما فعل بفاطمة (ع) انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد تبين أن رسول الله (ص) قد جعل كل حجرة ملكا لصاحبتها الساكنة فيها من أزواجها وهذا أمر كان مقررا في زمن رسول الله (ص) في حال حياته فلا يحتاج إلى طلبه البينة بعد الوفاة بخلاف فدك فإنها كانت تحتيدي؟ رسول الله كساير أموال الفئ ولم يكن في تصرف فاطمة فكان الواجب على أبي بكر طلب البينة على إنا أثبتنا قبل أن حديث دعوى فاطمة النحلة وإقامة البينة لم يصح لأنه صح في البخاري أن فاطمة طلبتها من أبي بكر ميراثا فلم يكن لها أن يطلبها مخلة وقد صح الأول فسقط الثاني لأنه غير مذكور في الصحاح والله أعلم وقد وجدت في كتاب أعلام الحديث في شرح البخاري لأبي سليمان الخطابي أنه قال بلغني عن سفيان بن عيينة أنه كان يقول أزواج النبي في معنى المعتدات إذ كن لا يجوز لهن أن يتحا؟ ينكحن أبدا فجرت لهن النفقة وتركت حجرهن لهن تسكنها انتهى فعلى هذا في حكم فهو الملك انتهى
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»