إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٠١
أن القول بترجيح ذلك غير موجود في كتب الأصول المتداولة مع أن رواية الفعل أرجح من رواية القول والوعد والمثبت مقدم على النافي كما تقرر في الأصول على أن ذكر المرجحات في كتب الأصول إنما هو لأن يرجح بها المجتهد العمل بمدلول الحديثين المتعارضين لأن الترجيح ينفي صحة مدلول أحد الحديثين كما يشعر به كلام الناصب مع أنه لا تعرض فهنا إذ يمكن الجمع بأن حلف أبو بكر أولا لمصلحة دفع فاطمة (ع) من ميراثها ثم حنث وأعطى كفارته وخلص بزعمه عن الإثم غاية الأمر أنه لم يعلم أن مخالفة فاطمة موجبة للكفر ومخالفة الحلف موجبة للكفارة ولكن هذا من جهالاته الطويلة الأذناب المنشورة في روايات هذا الكتاب قال المصنف رفع الله درجته وروى أن أبا بكر أغضب فاطمة (ع) وإنها هجرته وصاحبه ستة أشهر حتى ماتت وأوصت أن لا يصليا عليها وقد روى مسلم في صحيحه قال قال رسول الله (ص) أن فاطمة بضعة مني يؤذيني من آذاها ي موضعين وروى البخاري في صحيحه أن رسول الله (ص) قال فاطمة (ع) بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين هذين الحديثين وروى صاحب الجمع بين الصحاح الستة أن رسول الله (ص) قال فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني وأنه قال فاطمة سيدة نساء العالمين وفيه أن رسول الله (ص) سأل فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة فقالت وأين مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون فقال مريم سيدة نساء عالمها وآسية سيدة نساء عالمها وفي صحيح البخاري عن عايشة أن محمد (ص) قال يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين وسيدة نساء هذه الأمة وروى الثعلبي أن رسول الله (ص) قال من آذى فاطمة أو أغضبها فقد آذا أباها وأغضبه وهذه الأخبار الصحاح تدل على أن من أذى فاطمة (ع) أو أغضبها فقد أغضب الله ورسوله وقد قال الله تعالى أن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ثم يشهدون ويصحون أن أبا بكر أغضبها وآذاها وهجرته إلى أن ماتت فأما أن يكون هذه الأحاديث عندهم باطلة فيلزم كذبهم في شهادتهم بصحتها أو يطعنوا في القرآن الغزيز وهو كفر أو ينسبوا أبا بكر إلى ما لا يحل ولا يجوز انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد ذكرنا فيما سيق أن الغضب قد يكون في حقوق الله تعالى وهذا الغضب يتبعه غضب الله تعالى وقد يكون في الحقوق المتعلقة بالشخص وهذا لا يوجب غضب الله تعالى إلا أن يكون المغضب مبطلا ظالما في حق الغاضب و غضب فاطمة على أبي بكر في بحث شرعي عمل فيه أبو بكر بمقتضى علمه في الحكم الشرعي فغضبت عليه فاطمة فهذا لا يوجب غضب الله تعالى إلا أن يكون أبو بكر في حكمه ظالما مبطلا لالم يثبت هذا فإن قيل هذا عام في حق الأمة فإن كل من غضب لله فالله يغضب لغضبه فما فايدة تخصيصه بفاطمة وأي منقبة يكون لفاطمة على هذا التقدير قلنا فيه منقبة عظيمة لفاطمة (ع) وهو أنه لم تغضب لنفسها بل إنما تغضب لحقوق الله تعالى فالله دائما يغضب لغضبها وكذا رسول الله (ص) يغضب لغضبها ولكن الغضب غضبان غضب يحصل من المخالفة لله وهو قهر ينجر إلى المعادات وغضب يحصل من عدم مراقبة المغضوب عليه حق الغاضب و عدم مراعاة خاطره وهذا في الحقيقة ليس ليس بغضب بل هو تغير للخاطر وتألم للقلب ولهذا يتبعه الهجرة وكثيرا ما كان يغضب رسول الله (ص) على أصحابه مثل هذا الغضب ثم يرضى عنهم وهذا الغضب كما في بعض أقسام الأمر بالمعروف يستدعي إيذاء الغاضب حتى يدخل ي وعيد قوله تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ونحن نحكم بأن غضب فاطمة لأبي بكر كان تألم الخاطر وهذا لا يستدعي أن يتأذى منه حاشاها عن أن يغضب على وزير أبيه وصاحبه في الغار والله تعالى يجمع بينهم ويرضى كلهم بفضله ورحمته والأولى الإعراض عن هذه الحكايات الموحضة التي تتألم بها المؤمن ويفرح بها المنافقون انتهى أقول وبالله التوفيق لا يخفى أن التقسيم الذي ذكره الناصب سقيم ولغضب الله على صاحبه مقيم وحيث يرجع خلاصة كلامه السقيم إلى ما ذكره في الجواب عن السؤال المورد على نفسه آخرا فلنتكلم عليه ونقول كيف استنبط من كلام رسول الله (ص) في شأن فاطمة (ع) مدحه إياها بأنها لم تغضب لنفسها قط مع أن الناصب قد أثبت قبيل ذلك غضبها لنفسها وكيف يصدق ما ذكره من أن الله تعالى دائما يغضب لغضبها مع أنه قال أيضا أن غضب فاطمة (ع) في قضية فدك وأمثالها مما لا يوجب غضب الله تعالى ثم كيف يجتمع احتمال كونها (ع) كانت غاضبة لأجل حق نفسها مع استنباطه من الحديث الدلالة على أنها (ع) إنما تغضب لحقوق الله تعالى لا لحقوق نفسها وهل هذا إلا تناقض وتخليط صريح الجاه إليه ضيق الخناق وتواتر الفواق وأسخف من ذلك تفرقته ههنا بين غضبها (ع) على أبي بكر وتكلم قلبها منه ولو سلم نظر إلى أنه ربما يفهم في العرف الطارئ من الغضب بخو استيلاء من صاحبه ولم يكن لفاطمة المعصومة المظلومة (ع) بعد وفاة النبي (ص) استيلاء على أبي بكر وغيره فقد وقع فيما مر من حديث البخاري أن إيذاءها (ع) إيذاء للنبي (ص) ولا ريب في أن التأذي وتألم القلب متساو إن ههنا لا يخفى فيوجه غضب الله تعالى وسخطه وعقابه إلى أبي بكر من هذه الجهة ويصير الفرق المذكور لغوا محضا غير دافع لغضب الله تعالى عنه وأما ما ذكره من أن كثيرا ما كان يغضب رسول الله (ص) على أصحابه مثل هذا الغضب ثم يرضى عنهم وهذا الغضب لا يستدعي إيذاء الغاضب فمدود بأن الاستدعاء والاقتضاء في تلك الصور أيضا كان ثابتا لكن المانع وهو عروض الرضاء بعد ذلك أحال وجوده ضرورة أن وجود المعلول كما يتوقف على العلة المقتضية يتوقف على رفع الموانع وتحقق الشرايط ولو فرض بقاء غضبه صلوات الله عليه على بعض أصحابه مقرونا برضاه عنه لما عرفت من أنه لم يحصل رضاء فاطمة عن أبي بكر في مدة حيوتها وماتت ساخطة عليه وحسبك في ذلك ما روى عن مولانا الرضا (ع) من أن رجلا من أولاد البرامكة عرض عليه وقال له ما تقول في أبي بكر وعمر قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فالح السائل عليه في كشف الجواب فقال (ع) كانت لنا صالحة ماتت وهي عليهما ساخطة ولم يتانا بعد موتها أنها رضيت عنهما انتهى قال المصنف رفع الله درجته على أن عمر ذكر عن علي (ع) والعباس ذلك روى البخاري ومسلم في صحيحيهما قال عمر للعباس وعلي فلما توفى رسول الله (ص) قال أبو بكر أنا ولى رسول الله (ص) فجئتما أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله (ص) لا نورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خاينا والله يعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفي
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»