الثالث والخمسون: اعلم أن تأدى السبب إلى المسبب إما أن يكون دائميا أو أكثريا أو مساويا أو أقليا، فالمسبب الذي يتأدى السبب إليه على أحد الوجهين الأولين هو الغاية الذاتية ويسمى السبب ذاتيا، والذي يكون على الوجهين الآخرين هو الغاية الاتفاقية، ويسمى السبب اتفاقيا، وقد أنكر جماعة الأسباب الاتفاقية لأن السبب، إما أن يكون مستجمعا لجميع الجهات المعتبرة في المؤثرية فيتأدى إلى الأثر لا محالة فلا يكن اتفاقيا، وإن لم يكن كذلك فهو بدون ذلك الشرط الفايت استحالة تأديته إلى المسبب فلا يكون اتفاقيا، فإذن القول بالاتفاق باطل وتحقيق ذلك وموضوع الغلط من هذا مذكور في كتبنا العقلية إذ تقرر ذلك فنقول اتفاق المكلفين، المجتهدين وغيرهم في آرائهم مسبب له سبب ذاتي وسبب اتفاقي نادر في الغاية، والأول هو خلق المعصوم ونصبه، والدلالة عليه، وقبول المعصوم لذلك وطاعة المكلفين له، وهذا ظاهر مع اعتقادهم عصمته، وتمكنهم منه وقهر يده عليهم وسلطنته، وهذا سبب ذاتي يؤدي إلى مسببه دائما، ونصب أدلة تفيد اليقين والجزم التام، وهذا يمكن أن يكون أكثريا، فإن غلبة الشهوة تعارضه ويخرج أكثر المكلفين عن العمل به إذا لم يحصل لهم قاهر يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية وسبب اتفاقي نادر في الغاية هو هذه الأدلة اللفظية والعمومات خصوصا مع وجود المعارض فالله تعالى قد نهى عن التفرق وطلب الاجتماع، فأما أن يكون مع السبب الاتفاقي وهو تكليف بما لا يطاق قطعا، وأما من السبب الذاتي وهو تكليف ما لا يطاق أيضا لأنه لا يفيد، وأما مع وجود السبب الأول الذاتي وهو تكليف ما لا يطاق أيضا لأنه لا يفيد، وأما مع وجود السبب الأول الذاتي وهو المطلوب، فنقول: الذي من فعله تعالى نصب المعصوم والدلالة عليه وإيجاب الدعاء والقبول على الإمام ذلك والذي على الإمام القبول وقد بقي الثاني من فعل المكلفين فأوجبه الله تعالى عليهم، فلا بد أن يفعل الله تعالى من هذه الأشياء ما هو من فعله وإلا لزم التكليف بالمحال والإمام ما يجب عليه فثبت وجود المعصوم، وأما المكلفون فإذا لم يفعلوا كان انتفاء السبب من جهتهم لا غير.
(١٦٤)