فكيف يجوز ترك التمسك بمن تتحقق النجاة بالتمسك به، ويتمسك بمن لم تعلم النجاة معه؟! إن هذا إلا لمحض السفه والضلال.
وهذا يقتضي العلم بوجوب اتباعهم، وإن نوزع فيه فلا ريب في اقتضائه ظن وجوب الاتباع، وذلك كاف لوجوب العمل بالراجح، واختيارهم عليهم السلام بهذه المرجحات على غيرهم من المجتهدين، فلا يكون العدول عنهم إلا اتباعا للهوى والتقليد المألوف.
فقال: أنا لا أشك في اجتهادهم، وغزارة علمهم، ونجاة مقلدهم، ولكن مذهبهم لم ينقل ولم يشتهر، كما نقلت المذاهب الأربعة.
فقلت: إن كان مرادك أن الحنفية والشافعية لم ينقلوه، فمسلم، ولكن لا يضرنا، لأنا لم ننقل مذهبهما أيضا، والشافعية لم ينقلوا مذهب أبي حنيفة، وبالعكس، وكذا باقي المذاهب، وليس ذلك طعنا فيها عندكم.
وإن كان مرادك أنه لم ينقله أحد من المسلمين، فهذه مكابرة محضة، لأن شيعتهم، وكثيرا من أهل السنة وباقي الطوائف قد نقلوا أقوالهم وآدابهم وعباداتهم، واعتنى الشيعة بذلك أشد الاعتناء، وبحثوا عن تصحيح الناقلين وجرحهم وتعديلهم أشد البحث، وهذه صحاح أحاديثهم وكتب الجرح والتعديل عندهم مدونة مشهورة بينهم لا يمكن إنكارها.
وعلماء الشيعة وإن كانوا أقل من علماء السنة، ولكن ليسوا أقل من فرقة من فرق المذاهب الأربعة، خصوصا الحنابلة والمالكية، فإن الشيعة أكثر منهم يقينا.
ولم يزل - بحمد الله - علماء الشيعة في جميع الأعصار أعلم العلماء وأتقاهم، وأحذقهم في فنون العلوم:
أما في زمن الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، فواضح أنه لم يساوهم أحد في علم ولا عمل، حتى فاق تلاميذهم واشتهروا بغزارة العلم، وقوة الجدل كهشام ابن الحكم، وهشام بن سالم، وجميل بن دراج، وزرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وأشباههم، ممن عرفهم مخالفوهم في المذهب وأثنوا عليهم بما لا مزيد عليه.