المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ٧١
وبعد التنزل عن عصمته، والاعتراف بأنه يقول بالاجتهاد كما تزعمون، فلنا دلائل على وجوب اتباعه ليس في أبي حنيفة واحد منها.
(أحدهما): إجماع كل أهل الإسلام - حتى الأشاعرة والمعتزلة - على غزارة علمه، ووفور تقواه، وعدالته، وعظم شأنه، بحيث أني إلى يومي هذا - مع كثرة ما رأيت من كتب أهل الملل والتواريخ والسير وكتب الجرح والتعديل ونحو ذلك - لم أر قط طاعنا عليه بشئ من مخالفيه. وأعداء شيعته مع كثرتهم، وعظم شأنهم في الدنيا، لأنهم كانوا ملوك الأرض، والناس تحب التقرب إليهم بالصدق والكذب، ولم يقدر أحد أن يفتري عليه كذبا في الطعن ليتقرب به إلى ملوك عصره، وما ذاك إلا لعلمه أنه إن افترى كذبا كذبه كل من سمعه، وهذه مزية تميز هو وآباؤه وأبناؤه الستة بها عن جميع الخلق (1).
فكيف يجوز ترك تقليد من أجمع الناس على علمه وعدالته وجواز تقليده، ويقلد من وقع فيه الشك والطعن؟! مع أن الجرح مقدم على التعديل كما تقرر في موضعه.
وهذا إمامكم الغزالي صنف كتابا سماه " المنخول " (2) موضوعه الطعن على أبي حنيفة، وإثبات كفره بأدلة يطول شرحها (3).

(١) يقصد بالآباء الخمسة الذين سبقوه من أئمة آل البيت وهم علي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر والستة الأبناء هم بقية الاثني عشر وهم موسى وعلي ومحمد وعلي والحسن ثم المهدي المنتظر..
(٢) حققه الدكتور محمد حسن هيتو، وصدر في سنة ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م ضمن منشورات دار الفكر - دمشق - بعنوان " المنخول من تعليقات الأصول " وأكثر فيه الطعن على أبي حنيفة، فراجعه، وهو أحد كتبه الأصولية الستة، والغزالي هو زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي (٤٥٠ - ٥٠٥ ه‍).
(٣) روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٣ / 415 بإسناده إلى مالك بن أنس قال: ما ولد في الإسلام مولود أضر على أهل الإسلام من أبي حنيفة.
وروى في ص 416 عن مالك بن أنس أيضا أنه قال: كانت فتنة أبي حنيفة أضر على هذه الأمة من فتنة إبليس في الوجهين معا: في الأرجاء، وما وضع من نقض السنن.
وروى في نفس الصفحة عن شريك بن عبد الله قال: لئن يكون في كل حي من الأحياء خمار، خير من أن يكون فيه رجل من أصحاب أبي حنيفة.
وروى في ص 394 بالإسناد إلى سفيان الثوري أنه قال - لما جاءه نعي أبي حنيفة قلت: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه، لقد كان ينقض عرى الإسلام عروة عروة، ما ولد في الإسلام مولود أشأم على أهل الإسلام منه.
وروى في ص 394 بالإسناد إلى محمد بن عبد الله بن صالح الأسدي الفقيه المالكي قال: سمعت أبا بكر بن أبي داود السجستاني يوما وهو يقول لأصحابه: ما تقولون في مسألة اتفق عليها مالك وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، والحسين بن صالح وأصحابه، وسفيان الثوري وأصحابه، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ فقالوا له: يا أبا بكر، لا تكون مسألة أصح من هذه. فقال: هؤلاء كلهم اتفقوا على تضليل أبي حنيفة.
وتجد في تأريخ بغداد 13 / 318 - 454 أكثر من مائتي رواية مسندة فيها أقوال جمع من أئمة المذاهب في إثبات كفره.
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»
الفهرست