وبعد التنزل عن عصمته، والاعتراف بأنه يقول بالاجتهاد كما تزعمون، فلنا دلائل على وجوب اتباعه ليس في أبي حنيفة واحد منها.
(أحدهما): إجماع كل أهل الإسلام - حتى الأشاعرة والمعتزلة - على غزارة علمه، ووفور تقواه، وعدالته، وعظم شأنه، بحيث أني إلى يومي هذا - مع كثرة ما رأيت من كتب أهل الملل والتواريخ والسير وكتب الجرح والتعديل ونحو ذلك - لم أر قط طاعنا عليه بشئ من مخالفيه. وأعداء شيعته مع كثرتهم، وعظم شأنهم في الدنيا، لأنهم كانوا ملوك الأرض، والناس تحب التقرب إليهم بالصدق والكذب، ولم يقدر أحد أن يفتري عليه كذبا في الطعن ليتقرب به إلى ملوك عصره، وما ذاك إلا لعلمه أنه إن افترى كذبا كذبه كل من سمعه، وهذه مزية تميز هو وآباؤه وأبناؤه الستة بها عن جميع الخلق (1).
فكيف يجوز ترك تقليد من أجمع الناس على علمه وعدالته وجواز تقليده، ويقلد من وقع فيه الشك والطعن؟! مع أن الجرح مقدم على التعديل كما تقرر في موضعه.
وهذا إمامكم الغزالي صنف كتابا سماه " المنخول " (2) موضوعه الطعن على أبي حنيفة، وإثبات كفره بأدلة يطول شرحها (3).