المناظرات بين فقهاء السنة وفقهاء الشيعة - مقاتل بن عطية - الصفحة ١٦٢
ومعلوم أن هذا في مظنة الإهانة لأهل الرجل، وذلك أعظم من إخراجها من منزلها وهي بمنزلة الملكة المبجلة المعظمة التي لا يأتي إليها أحد إلا بإذنها. ولم يكن طلحة والزبير ولا غيرهما من الأجانب يحملونها، بل كان في المعسكر من محارمها مثل عبد الله بن الزبير ابن أختها، وخلوته بها ومسه لها جائز بالكتاب والسنة والإجماع، وكذلك سفر المرأة مع ذي محرمها جائز بالكتاب والسنة والإجماع، وهي لم تسافر إلا مع ذي محرمها وأما العسكر الذين قاتلوها فلولا أنه كان في العسكر محمد بن أبي بكر مد يده إليها، لمد يده إليها الأجانب. ولهذا دعت عائشة على من مد يده إليها وقالت: يد من هذه أحرقها الله بالنار؟ فقال: أي أخت، في الدنيا قبل الآخرة. فقالت: في الدنيا قبل الآخرة.
فأحرق بالنار في مصر (1)

(١) أي سذاجة هذه، بل أي سطحية واستخفاف بعقول المسلمين؟
إن ابن تيمية لم يقع في هذه المتاهة إلا بسبب كونه من أعداء المنطق والعقل ولو كان يتسلح بشئ منهما ما كان يقع في هذا التناقض..
وإن أي قارئ لوقعة الجمع يتبين له ببساطة أن وجود عائشة كان هو المحرك الفعلي للمعركة ولولا أن طلحة والزبير أقنعاها بالخروج معهما ما كانا يستطيعان جمع أحد من المسلمين لمحاربة الإمام علي.
وما كان يمكن حسم هذه الحرب إلا بعقر الجمل الذي يحمل عائشة ويلتف من حوله أعوانها وهو سبب صمودهم.. ولم يثبت من خلال الروايات المتداولة أن الإمام عليا عامل عائشة معاملة السبي أو ألحق بها أي إهانة بعد هزيمتها بل ردها إلى المدينة في حراسة خاصة لتقبع في بيتها كما أمرها الله.
فيكف لابن تيمية أن ينسج من خياله أن ما حدث لعائشة بعد هزيمتها هو إهانة أعظم من إخراجها من بيتها؟.. فإذا كانت لم تقع لها إهانة فإن خروجها من بيتها هو الجرم العظيم حسب منطق ابن تيمية الذي أراد أن يعظم إهانتها المتوهمة على خروجها وتبرجها..
يروي البخاري عن عمار بن ياسر أنه قال أثناء وقعة الجمل: إني لا أعلم أنها زوجته - أي عائشة - في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها.. (باب فضل عائشة).
وقال ابن حجر: قوله لتتبعوه أو إياها، قيل الضمير لعلي، والذي يظهر أنه لله. والمراد باتباع الله اتباع حكمه الشرعي في طاعة الإمام وعدم الخروج عليه. ولعله أشار إلى قوله تعالى * (وقرن في بيوتكن) * فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي (ص). ولهذا كانت أم سلمة تقول: لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى النبي.. (فتح الباري ج ٧ / 108) وكلام ابن حجر هذا فيه الكفاية للرد على أمثال ابن تيمية أما بخصوص رواية دعاء عائشة على من مد يده إليها فهي من أكاذيب ابن تيمية، الذي يرفع شعار الكذب في مواجهة خصومه ويبيحه لنفسه.
ومن المعروف أن محمد بن أبي بكر هو ربيب الإمام علي بعد زواجه بأمه أسماء بنت عميس وقد قتل في مصر على يد قوات عمرو بن العاص بعد أن دخلها أثناء حرب صفين ويقال إنهم أسروه وأحرقوه. وكان الإمام قد ولاه على مصر. ويريد ابن تيمية بنسبة هذه النبوءة لعائشة أن يضفي المشروعية عليها وعلى معاوية وابن العاص ويؤكد صحة موقفهم. وإذا ما تبين لنا أن محمد بن أبي بكر هو شقيق عائشة فهذا يدفع هذه الرواية المزعومة ويكذبها، فهي وإن صحت فإنها تنطبق على غير المحارم..
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 » »»
الفهرست