أراد أن يشبه السنان فلم يستقم له فأوقع اللفظ على المنارة. وقوله أصلع يريد أنه لا صدأ عليه فهو يبرق، والجمع مناور على القياس، ومنائر مهموز، على غير قياس، قال ثعلب: إنما ذلك لأن العرب تشبه الحرف بالحرف فشبهوا منارة وهي مفعلة من النور، بفتح الميم، بفعالة فكسروها تكسيرها، كما قالوا أمكنة فيمن جعل مكانا من الكون، فعامل الحرف الزائد معاملة الأصلي، فصارت الميم عندهم في مكان كالقاف من قذال، قال: ومثله في كلام العرب كثير. قال: وأما سيبويه فحمل ما هو من هذا على الغلط. الجوهري: الجمع مناور، بالواو، لأنه من النور، ومن قال منائر وهمز فقد شبه الأصلي بالزائد كما قالوا مصائب وأصله مصاوب.
والمنار: العلم وما يوضع بين الشيئين من الحدود. وفي حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: لعن الله من غير منار الأرض أي أعلامها. والمنار:
علم الطريق. وفي التهذيب: المنار العلم والحد بين الأرضين.
والمنار: جمع منارة، وهي العلامة تجعل بين الحدين، ومنار الحرم: أعلامه التي ضربها إبراهيم الخليل، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، على أقطار الحرم ونواحيه وبها تعرف حدود الحرم من حدود الحل، والميم زائدة. قال:
ويحتمل معنى قوله لعن الله من غير منار الأرض، أراد به منار الحرم، ويجوز أن يكون لعن من غير تخوم الأرضين، وهو أن يقتطع طائفة من أرض جاره أو يحول الحد من مكانه. وروى شمر عن الأصمعي: المنار العلم يجعل للطريق أو الحد للأرضين من طين أو تراب. وفي الحديث عن أبي هريرة، رضي الله عنه: إن للإسلام صوي ومنارا أي علامات وشرائع يعرف بها.
والمنارة: التي يؤذن عليها، وهي المئذنة، وأنشد:
لعك في مناسمها منار، إلى عدنان، واضحة السبيل والمنار: محجة الطريق، وقوله عز وجل: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، قيل: النور ههنا هو سيدنا محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي جاءكم نبي وكتاب. وقيل إن موسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، قال وقد سئل عن شئ: سيأتيكم النور. وقوله عز وجل: واتبعوا النور الذي أنزل معه، أي اتبعوا الحق الذي بيانه في القلوب كبيان النور في العيون. قال: والنور هو الذي يبين الأشياء ويري الأبصار حقيقتها، قال:
فمثل ما أتى به النبي، صلى الله عليه وسلم، في القلوب في بيانه وكشفه الظلمات كمثل النور، ثم قال: يهدي الله لنوره من يشاء، يهدي به الله من اتبع رضوانه. وفي حديث أبي ذر، رضي الله عنه، قال له ابن شقيق: لو رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كنت أسأله: هل رأيت ربك؟ فقال:
قد سألته فقال: نور أنى أراه أي هو نور كيف أراه. قال ابن الأثير: سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: ما رأيت منكرا له وما أدري ما وجهه. وقال ابن خزيمة: في القلب من صحة هذا الخبر شئ، فإن ابن شقيق لم يكن يثبت أبا ذر، وقال بعض أهل العلم: النور جسم وعرض، والباري تقدس وتعالى ليس بجسم ولا عرض، وإنما المراد أن حجابه النور، قال: وكذا روي في حديث أبي موسى، رضي الله عنه، والمعنى كيف أراه وحجابه النور أي أن النور يمنع من رؤيته. وفي حديث الدعاء: اللهم اجعل في قلبي نورا وباقي أعضائه، أراد ضياء الحق وبيانه، كأنه قال: اللهم استعمل هذه الأعضاء مني في الحق واجعل تصرفي وتقلبي فيها على سبيل الصواب والخير.