موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ - محمد الريشهري - ج ١٢ - الصفحة ١٧٧
قال: كان والله أمير المؤمنين (عليه السلام)، طويل المدى، شديد القوى، كثير الفكرة، غزير العبرة، يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه، ونحن والله مع قربه لا نكلمه لهيبته، ولا ندنو منه تعظيما له، فإن تبسم فعن غير أشر (1) ولا اختيال، وإن نطق فعن الحكمة وفصل الخطاب، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، ولا يطمع الغني في باطله، ولا يوئس الضعيف من حقه، فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا يا دنيا، إليك عني أبي تعرضت أم لي تشوقت؟ لا حان حينك، هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلة الزاد، وطول المجاز، وبعد السفر، وعظيم المورد!
قال: فوكفت (2) دموع معاوية ما يملكها، ويقول: هكذا كان علي (عليه السلام)، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟
قال: حزني عليه والله حزن من ذبح واحدها في حجرها فلا ترقأ دمعتها ولا تسكن حرارتها (3).
راجع: (4) القسم التاسع / علي عن لسان أصحابه / ضرار بن ضمرة.

(١) الأشر: البطر. وقيل: أشد البطر (النهاية: ١ / ٥١).
(٢) وكف الدمع: إذا تقاطر (النهاية: ٥ / ٢٢٠).
(٣) خصائص الأئمة (عليهم السلام): ٧٠، نهج البلاغة: الحكمة ٧٧ وفيه من " فأشهد لقد رأيته " إلى " عظيم المورد "، عدة الداعي: ١٩٥ وفي ذيله " فكيف كان حبك إياه؟ قال: كحب أم موسى لموسى، وأعتذر إلى الله من التقصير، قال: فكيف صبرك عنه يا ضرار؟ قال: صبر من ذبح ولدها على صدرها؛ فهي لا ترقأ عبرتها ولا تسكن حرارتها. ثم قام وخرج وهو باك. فقال معاوية: أما إنكم لو فقدتموني لما كان فيكم من يثني علي من هذا الثناء. فقال له بعض من كان حاضرا: الصاحب على قدر صاحبه "؛ مروج الذهب: ٢ / ٤٣٣ وج ٣ / ٢٥ عن أبي مخنف وفيه ذيله، حلية الأولياء:
١ / ٨٤، تاريخ دمشق: ٢٤ / ٤٠١ كلاهما عن أبي صالح وكلها نحوه وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 103.
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»
الفهرست