واقعة النهروان أقبل بهم أمير المؤمنين، فأنزلهم النخيلة، وأمر الناس أن يلزموا معسكرهم ويوطنوا على الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة النساء وأبنائهم حتى يسير بهم إلى عدوهم، وكان ذلك هو الرأي لو فعلوه، لكنهم لم يفعلوا، واقبلوا يتسللون ويدخلون الكوفة، فتركوه (عليه السلام) وما معه من الناس إلا رجال من وجوههم قليل، وبقي المعسكر خاليا، فلا من دخل الكوفة خرج إليه، ولا من أقام معه صبر، فلما رأى ذلك دخل الكوفة.
قال نصر بن مزاحم: فخطب الناس بالكوفة، وهي أول خطبة خطبها بعد قدومه من حرب الخوارج، فقال:
أيها الناس! استعدوا لقتال عدو في جهادهم القربة إلى الله عز وجل، ودرك الوسيلة عنده؛ قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه موزعين (1) بالجور والظلم لا يعدلون به، جفاة عن الكتاب، نكب عن الدين، يعمهون (2) في الطغيان، ويتسكعون في غمرة الضلال، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل وتوكلوا على الله، وكفى بالله وكيلا.
قال: فلم ينفروا ولم ينشروا (3)، فتركهم أياما، ثم خطبهم فقال (4): أف لكم! لقد سئمت عتابكم! أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا، وبالذل من العز خلفا؟
إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة. يرتج عليكم حواري فتعمهون، فكأن قلوبكم مألوسة، فأنتم