والآخرين وآل الامر إلى أن تغلب مثل معاوية على بلاد الاسلام، وارتكب مظالم تقشعر منها الجلود وجهد في اطفاء نور النبوة والتوحيد وارجاع الناس القهقرى حتى مات، وترك الامر لابنه الفاسق الفاجر بعد ما أكره الناس على البيعة له تحت سيوف عماله، فاقتضت الأسباب والأوضاع الاجتماعية رجوع الامر إلى أهله.
لكن هذه الأسباب أيضا لم تؤثر لان الأمة الا القليل منها لم تجب دعوة مولانا أبى عبد الله الحسين عليه السلام التي قام بها اتماما للحجة، فتركت نصرته وباعت الدين بالدنيا، فلما قتل الحسين عليه السلام اخر ذلك أي لم يتهيأ ما يقتضيه من الأسباب إلى سنة مأة وأربعين، وفى هذا الأوان أيضا لما أذيع ذلك للظالمين وانكشف السر شدد أعداء الله وأعداء آل محمد عليهم السلام على المؤمنين وشيعة الحق فردوهم عما يأملون، وبعد ذلك اخر الرخاء والفرج ولم يعلموا الشيعة بأزمنة أخرى، ربما حصل فيها بعض الأسباب المقتضية لهذا الامر ويمنع المانع من تأثيرها، وهكذا يستمر الامر إلى أن يأتي زمان لا يعلمه الا الله يوم الوقت المعلوم، يوم ظهور مولانا المهدي عليه السلام، ومما يؤثر حصول المقتضيات ويقويها ويوجب رفع الموانع، الدعا لتعجيل الفرج.
وعلى هذا نقول: ما ورد في تعيين وقت الفرج والرخاء، انما ورد في مقام بيان هذه المراحل والأوضاع التي مرت على الأمة وبيان لبعض الأسباب الذي صار سببا لتأخير ظهور هذا الامر، وتحقق ما وعد الله تعالى به أنبيائه ورسله وعباده. قال الله تعالى:
ولقد سبقت حكمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون، وان جندنا لهم الغالبون.
هذا وقد ظهر لك ان ما في بعض الاخبار من توقع الرخاء في سنة كذا، أو تأخيره إلى سنة كذا، ليس معناه ان الامر يتحقق بمشية الله تعالى لا محالة في سنة كذا حتى إذا اخر منها يلزم منه العجز أو الجهل عليه، تعالى الله عنهما علوا كبيرا.
أو يقال: كيف يكون هذا مع دلالة الأخبار المتواترة على عدم تحقق ذلك لواحد من الأئمة عليهم السلام الا بقدر ما تحقق لأمير المؤمنين والامام المجتبى عليهم السلام، والا ما يتحقق على النحو الكامل لمولانا المهدى بابي هو وأمي.
فان المراد من هذه الأخبار ان امر ولايتهم من حيث الظهور وفعلية توليهم الأمور مشروطة بأمور: مثل قبول الأمة وتسليمهم لهم وغير ذلك مما لا يعلم الا باخبار الله تعالى، وتخصيص بعض السنين والأوقات بالذكر انما يكون لأجل ان زوال بعض الموانع يجعل الفرج والرخاء أرجى وأسهل حصولا.
فان قلت: ما فائدة الاخبار بذلك مع العلم بعدم حصوله، لعدم تحقق شرطه أو وجود مانعه.
قلت: مضافا إلى ما مر في ضمن الجواب الثاني فائدته أولا: اتمام الحجة وبيان ان الله تعالى لم يكتب على خلقه الذل والصغار وسيطرة الظالمين عليهم، وانه لا يصيبهم ما أصابهم الا بما كسبت أيديهم.
وثانيا: الترغيب إلى العمل وتشويق الناس وتشجيعهم على حفظ مواضعهم قبال الكفرة والظلمة، وعلى حفظ الثبات، والاستقامة في أداء الواجبات.
وثالثا: تقوية روح الرجا وحسن الظن بالمستقبل حتى لا يتسلط عليهم القنوط عن رحمة الله تعالى، ولا ييأسوا من روح الله، وهذه حكمة كبيرة يجب على من يوسوس الناس بالسياسة الإلهية رعايتها حتى لا يخرجوا عن الطريق المستقيم، ولا يتكاسلوا، ولا يتقاعدوا عن العمل.
هذا، ما ألهمنا الله تعالى حول هذه الأحاديث والله ولى التسديد والتوفيق.
ومنه يظهر لك تفسير غيرها من الأحاديث أنشأ الله تعالى.