أي مكان اتفق.
واما الكذب فهو مثل الضرب المولم، وكثير من العناوين حسنه وقبحه يختلف بحسب اختلاف افراده، والوجوه، والاعتبارات، فبعض افراده يقع تحت العناوين المحسنة بالحسن الذاتي، كحفظ النفس المحترمة من الوقوع في التهلكة، ومنع الظالم من الظلم، ودفع الخطر عن جماعة المسلمين، ومصالحهم العامة، ومثل الكذب ووضع اليد على مال الغير، والتصرف فيه، فإنه إذا كان باذنه أو لحفظه واحسانا إليه يكون حسنا لا محالة.
ولو سلم قبح مجرد الكذب ولو لم يكن واقعا تحت عنوان آخر من العناوين المقبحة بالذات فلا شك انه ليس مثل الظلم الذي لا يمكن ان يقع حسنا، بل إذا وقع تحت أي عنوان يكون حسنه غالبا على قبح مجرد الكذب بحيث يذم تاركه على تركه يحكم بحسنه، وعلى أي فلا يحكم بقبح الاخبار عن وقوع امر بحسب اقتضاء أسبابه العامة الظاهرة وقوعه مع العلم بعدم وقوعه أو الشك في ذلك إذا ترتبت على هذا الاخبار مصلحة مهمة، وخصوصا إذا دفعت حزازة الاخبار عن خلاف الواقع بظهور حقيقة الامر، وان الاخبار كان معتمدا على منشأ عقلائي، وهو العلم بوجود المقتضى والأسباب.
وثالثا نقول: ان الموارد المذكورة في الروايات، بعضها اخبار وانذار عن وقوع ما ينذر به لاتمام الحجة على المنذر، (بالفتح) وتحذيره عن وقوعه فيه، وترغيبه بالتحذير عنه بالتوبة والإنابة، والصدقة وغيرها، وفى مثله يكون الخبر مشعرا بجواز وقوع البداء، وان الواجب على المنذرين التوبة والرجوع إلى الله تعالى.
فتلخص: انه لا يثبت بهذه الاخبار أمرا غير ايضاح امر البداء وتبيين موارده، فالاخبار منها اما كان اتكالا على القرنية الحالية وهي معلومية جواز وقوع البداء في مواردها بالايمان والتوبة والصدقة وغيرها، كما يستفاد ذلك من قصة قوم يونس، على نبينا وآله وعليه السلام، أو كان الغرض إرائة الشاهد على ذلك ليطمئن به قلوب المؤمنين، ويدفع به استبعاد المرتابين، والله ورسوله اعلم، فارتفع الاشكال بحذافيره، والله الموفق للصواب.
فان قيل: فما تقول في ما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال: لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان، وبما يكون، وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية (يمحو الله