علمه بالمعلوم الاخر، فلا تبعض ولا تجزئة في علمه تعالى ولا يشار إلى علمه بالمعلوم الخاص لان كل ذلك ينتهى إلى القول بالتجزئة والتركيب الذي ينافي القول الحق، وعينية الذات والصفة واتحادهما مصداقا بالنسبة إلى الباري تعالى فلا يمكن كما لا يمكن تصور حقيقتها أيضا.
ان قلت: فكيف تقول: انه عالم بالجزئيات.
قلت: هو تعالى شانه عالم بالجزئيات والكليات لا يعزب عن علمه شيئا، ولكن لا تعدد ولا تكثر لعلمه، والكثرة المتصورة انما جاءت من ناحية معلوماته كما لا تعدد ولا تكثر في قدرته، ولا يتصور فيه الشدة والضعف، والتكثر والتعدد، بل الشدة والضعف يخيل للجاهل الذي يرى المقدورات وكثرتها وتعددها وكبيرها، وصغيرها، فيتوهم هذه في حقه تعالى.
والحاصل: ان التقسيم الحقيقي بالنسبة إلى صفاته الذاتية باطل مستلزم للنقص واثبات ما هو تعالى منزه عنه.
والذي يؤيد ما قلناه من أن لفظة (عنده) ليست صريحة في أن العلم مخزون فيه وعند نفسه وانه يصح ان يكون مخزونا عند ملائكته، وعمال ارادته، وأنبيائه ورسله، وأوليائه، ويقال انه مخزون عنده. قوله تعالى: (قال علمها عند ربى في كتاب). أي مخزون ومكتوب في كتاب. وقوله تعالى (وعنده أم الكتاب) فالمراد بما هو مخزون عنده ما هو مجعول ومخزون في وعا مناسب من الأوعية كنفس الملك، وقلب النبي، والولي، واللوح المسمى بلوح المحو والاثبات، مما جعله بحكمته وقدرته مظاهر علمه، فهذا ليس بعلمه الحقيقي الذاتي، بل يطلق عليه العلم تنزيلا لكونه حاكيا عنه، فالعلم المخزون محتاج إلى الخازن، والى المخزن، وهو يتصور بالنسبة إلى علمه تعالى إذا كان مخزونا في قلب النبي، أو الولي أو نفس الملك، أو كتاب مناسب له، فالله هو الخازن، والمخزون العلم، والمخزن هو باطن النبي، ومع ذلك يصح ان يقال، انه مخزون عنده كما أنه مكتوب عنده في كتاب وحيد.