الحسين (عليه السلام) لما خرج في جوف الليل يتفقد التلاع والعقبات، فلما رآه قال له (عليه السلام): ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك... (1) الامر الذي يدل على تأكيده لهم وعدم خصه أحدا بالبقاء معه، بل خاطبهم جميعا بما فيهم الصغير والكبير والعبد والحر حتى نساءهم.
وقد وجدناه (عليه السلام) يوم العاشر عند اشتداد الامر، وهو يطلق العنان لواحد منهم، وقد أحله من بيعته وهو: الضحاك المشرقي الذي تعهد للحسين (عليه السلام) بالدفاع عنه ما رأى معه مقاتلا، ولما بقي (عليه السلام) وحده، قال للامام: يا بن رسول الله قد علمت أني ما كان بيني وبينك، قلت لك أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا فإذا لم أر مقاتلا فأنا في حل من الانصراف؟ فقلت لي نعم.
فقال له (عليه السلام): صدقت وكيف لك بالنجاء إن قدرت على ذلك فأنت في حل.
فأخرج فرسه من الفسطاط وركبه وهرب ونجا بنفسه (2).
وهذا الموقف النبيل في تعامل الحسين (عليه السلام) مع أصحابه لا تجده في سائر المعسكرات الأخرى والتي قد يتناسى فيها العهود والمواثيق.
فلم يجبر الحسين (عليه السلام) أحدا من أصحابه على نصرته والدفاع عنه، بل ترك الامر لهم وباختيارهم، وهذا في الواقع ما زاد في عزيمتهم وجعلهم يقاتلون بمحض إرادتهم عن عزيمة صادقة.
وكم هو فرق بين أن يقاتل المقاتل في المعركة عن رغبة وشوق وبين أن يقاتل مكرها على ذلك، أو من أجل المطامع الدنيوية التي هي منتهى الزوال والاضمحلال.