قالت سكينة، فوالله ما أتم كلامه إلا وتفرق القوم من عشرة، وعشرين فلم يبق معه إلا واحد وسبعون رجلا، فنظرت إلى أبي منكسا رأسه فخنقتني العبرة فخشيت أن يسمعني، ورفعت طرفي إلى السماء وقلت: اللهم إنهم خذلونا فأخذلهم،... فرأتني عمتي أم كلثوم وقالت: ماذا دهاك يا بنتاه فأخبرتها الخبر، فصاحت وا جداه، وا علياه، وا حسناه، وا حسيناه، وا قلة ناصراه، أين الخلاص من الأعداء؟ ليتهم يقنعون بالفداء.. فسمع أبي ذلك، فأتى إلينا يعثر في أذياله، ودموعه تجري وقال: ما هذا البكاء؟
فقالت: يا أخي ردنا إلى حرم جدنا.
فقال الإمام: يا أختاه ليس إلى ذلك سبيل.
قالت: أجل ذكرهم محل جدك وأبيك وأخيك.
فقال الإمام: ذكرتهم فلم يذكروا، ووعظتهم فلم يتعظوا، ولم يسمعوا قولي، فما لهم غير قتلي سبيلا، ولا بد أن تروني على الثرى جديلا، لكن أوصيكن بتقوى الله رب البرية، والصبر على البلية، وكظم نزول الرزية وبهذا وعد جدكم، ولا خلف لما وعد، ودعتكم إلهي الفرد الصمد (1).
وروى البحراني أن الإمام قد قال: " يا أهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل جملا لكم، وانجوا بأنفسكم، فليس المطلوب غيري، ولو قتلوني ما فكروا فيكم، فانجوا رحمكم الله وأنتم في حل وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني " (2).
وقال الإمام الحسين: يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا فقد أذنت لكم.