فالذين اتبعوا الإمام الحسين من غير بني هاشم واستشهدوا بين يديه في كربلاء، كانوا على علم بما يجري، وبالدوافع الذاتية لقادة فريقي المواجهة، فهم يعرفون طبيعة الخلافة، وطبيعة نظام دولته وطبيعة أركان هذه الدولة، وطبيعة الجيش " الإسلامي " الجرار الذي يأتمر بأمر الخليفة، وطبيعة الحالة التي آلت إليها نفسية الأمة، فمن غير المحتمل على الإطلاق أن يخاطر أي فرد من أغلبية الرعية بقطع " الأرزاق " أو الأعطيات الشهرية التي يقدمها الخليفة لعبيده، أو يجاهر بعصيانه ليخسر دنياه، ويخسر حياته ويهدم داره،!! فالذين اتبعوا الإمام الحسين ونالوا شرف الشهادة بين يديه نماذج بشرية عجيبة حقا، حللت واقعها تحليلا دقيقا، وأصغت لنبيها وهو يأمرها بنصرة الإمام الحسين فاختارت ما اختارت بقلوب راضية مطمئنة، بأعصاب هادئة، وبرضى تام، وساروا إلى الموت بخطى ثابتة، كلما فر الموت من أمامهم لاحقوه بلا كلل ولا ملل!! لقد صار الموت مطلبهم، وغايتهم، ونشوتهم العظمى!!! ولم لا!! فهم أنصار الحسين، والحسين مقتنع قناعة نهائية لا تقبل المراجعة أن الموت خير من الحياة تحت حكم الظالمين، بل إنه كان يرى الموت سعادة والحياة مع الظالمين برما. إن أنصار الحسين على خطه تماما، رافقوه وتداولوا الأمر معه، ثم نفذوه بدقة وتفان.
فلما وقعت الواقعة افتدوه، وافتدوا أهل بيت النبوة الكرام، وقاتلوا بين يديه حتى قتلوا، لقد كانوا جبالا حقيقية، اندكت تباعا بين يدي الحسين!!!.
أركان قيادة يزيد في كربلاء:
قهر معاوية الأمة، وتملك أمرها بالقوة والتغلب، ودانت له البلاد والعباد رغبة بما في يديه من مال ونفوذ، أو رهبة من بطشه وجبروته. ولكن معاوية بدهائه مدرك أن الجمر في كثير من المواقع ما زالت تحت الرماد، لقد حصر معاوية الخطر على ملكه بمصدرين، أحدهما: آل محمد، أهل بيت النبوة، الذين لا ينفكون عن القول بأنهم أصحاب الحق الشرعيين بقيادة الأمة، وأن معاوية