كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ٢٨
إيمانهم، ومعدن أصالتهم، لقد كانوا نماذج بشرية تفوق كل مجالات وآفاق التصور والتصديق، فكان أولئك الفتية هم أبرز أركان قيادة الإمام الحسين، وضعهم بالصورة الكاملة قبل خروجه من المدينة المنورة، ووافقوه على كل ما فعل خطوة خطوة، ونفذوا أوامره برضى خاطر، فما من أحد منهم إلا وقد قال للحسين: ائذن لي يا بن رسول الله لأدافع عنك، وأقتل بين يديك، وما من أحد منهم إلا وأثلج خاطر الحسين صولة وجولة، حتى إذا ما قضي نحبه صار جرحا غائرا في قلب الحسين، وانهدم ركن عصي من أركان قيادته!! ففتية آل محمد كانوا هم ناصية أركان قيادة الحسين، فلما وقعت الواقعة تقدموا وقاتلوا بين يديه وسقطوا فرقدا إثر فرقد، حتى خلت السماء تماما من فراقدها، عندئذ كسر ظهر الإمام الحسين، وامتلأ قلبه بالجراح النازفة، واضطر الحسين أن يحمل قلبه المثخن بالجراح وأن يقاتل جيش الخلافة وحيدا بعد أن تهدمت أركان قيادته.
إن الكواكب التي انتثرت وتساقطت تباعا من سماء كربلاء أمام الحسين لهي ظاهرة قيادية كونية نادرة، وإن تعجب لأراك الدهر عجبا، فأعجب كيف بقي للحسين قلب، وكيف انصرف ليقاتل وحده جيشا يزيد على عشرين ألف مقاتل، بعد أن فقد أركان قيادته، وأعجب لنفسية أفراد هذا الجيش المرتزق الذي أصر على قتال الحسين وحيدا!!! وبعد حملات هذا الجيش وصولاته على الإمام الوحيد قتلوه، ولم يكتفوا بقتل الإمام، إنما مثلوا به أشنع تمثيل، وبعد أن أكملوا المذبحة ذهبوا وصلوا!! وقالوا في صلاتهم كما أمرهم الله: " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " وهم قبل قليل أبادوا آل محمد وذبحوا شيخهم كما تذبح الأضاحي!!!.
2 - أركان قيادة الإمام الحسين من غير بني هاشم: الذين اتبعوا الإمام الحسين من غير بني هاشم هم نخبة الأمة الإسلامية، ولقد وصفهم أحد قادة الجيش الأموي بقوله للجيش: " أتدرون من تقاتلون؟ إنما تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوما مستميتين " (1) وقال عنهم الإمام علي: " ليس مثلهم إلا شهداء بدر " (2).

(١) راجع تاريخ الطبري ج ٥ ص ٤٣٥.
(٢) راجع أسد الغابة لابن الأثير ج ١ ص ١٢٣ و ٣٤٩، والإصابة لابن حجر ج ١ ص ٦٨، وكنز العمال ج ٦ ص ٢٢٣ وقال: أخرجه البغوي وابن السكن والبارودي وابن مندة وابن عساكر، وذكره الطبري في ذخائر العقبى ص ١٤٦ وقال: خرجه الملا في في سيرته راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة ص 347 و 348 ج 3.
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327