إقناع الأكثرية الساحقة من رجال الطليعة، ولو تم ذلك لربما تغير مجرى التاريخ، ولكن وحسب تعبير الإمام: " لقد حال القضاء دون الرجاء ".
وما يعنينا أن الإمام الحسين قد أسمع صوت الحق لقائد طليعة جيش بني أمية ولمنتسبي تلك الطليعة، وأقام الحجة كاملة عليهم، وشهدوا بذلك على أنفسهم من حيث لا يشعرون، فعصوه وهم يعلمون أن طاعته هي الأولى، وخذلوه وهم يعلمون أن الله تعالى فرض عليهم نصرته، فجاء عصيانهم وخذلانهم بعد إقامة الحجة، ومع سبق الترصد والإصرار، ولم ييأس الإمام الحسين، إنما تابع جهده لكسب هذه الطليعة وللتضييق عليها إمعانا بإقامة الحجة أثناء مسيرته.
البيضة:
سار الحسين بأصحابه في ناحية، وسار الحر بطليعة جيش الفرعون بناحية أخرى حتى وافوا البيضة (1) وفي البيضة عاود الإمام الحسين المحاولة، فخطب في أصحابه وأصحاب الحر قائلا: " أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقا على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفئ، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غير، قد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم. إنكم لا تسلموني، ولا تخذلوني فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول الله، نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم في أسوة، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم * (فمن نكث فإنما