الناصحين الذين خوفوا الإمام الحسين جزء من قوة تعمل لصالح دولة الخلافة، وأمام تركيز الحر على هذه الناحية، طمعا بتحطيم روح المقاومة لدى الإمام الحسين لعله ينجح بجر الحسين معه إلى ابن زياد فتكون مفخرة له ولرجاله.
وكانت فرصة أمام الإمام الحسين ليعرفهم بطبيعته المحصنة أمام هكذا حملات، فقال الحسين: " أفبالموت تخوفني، وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه ". وردد الإمام الشعر الذي أوردناه قبل قليل (1).
وفي رواية أنه قال " ليس شأني من يخاف الموت، فما أهون الموت على سبيل نيل البر وإحياء الحق، ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة، وليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه، أفبالموت تخوفني، هيهات طاش سهمك وخاب ظنك، لست أخاف الموت، إن نفسي لأكبر، وهمتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت، وهل تقدرون على أكثر من قتلي، مرحبا بالقتل في سبيل الله ولكنكم لا تقدرون على هدم مجدي، ومحو عزي وشرفي، فإذا لا أبالي بالقتل " (2) ثم أقبل الإمام نحو أصحابه وقال: هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادة؟ فقال الطرماح بن عدي: يا ابن رسول الله أنا أخبر الطريق، فقال الحسين: سر بين أيدينا، وسار فاتبعه الإمام الحسين وأصحابه.
إقامة الحجة على طليعة جيش الخلافة:
كل ما ينبغي أن يقال قاله الإمام لطليعة الجيش الأموي، لقد أقام عليهم الحجة، وعرفوا أنه على الحق، وأن الواجب الديني يدعوهم لنصرته وحمايته وأهل بيته، ولكنهم خذلوه مع سبق الإصرار، وأخلصوا لطاغيتهم كما أخلص المؤمنون الصادقون لله، أو خوفا منه. إن قلوبهم غلف تماما، ويبدو أن قائدهم هو الرجل الوحيد الذي تأثر بما قاله الإمام الحسين، ولكن بعد فوات الأوان، ولو أن وعي الحر قد كان مبكرا، ولو أنه تعاون مع الإمام الحسين ربما كان بالإمكان