حقيقة الموقف، لأن أهل بيت النبوة لا يخدعون، ولا يطلبون النصر بأي وسيلة، إنما يلزمون أنفسهم بالوضوح وبالوسائل الشرعية، وأحاط الإمام الجموع التي التحقت به علما بأنهم مقبلون على ضرب السيوف، وحد الأسنة، فلما عرفت تلك الجموع بأن الكفة راجحة مع بني أمية، وأنه لا أمل لها بالمغانم، انفضت من حول الإمام وتفرقت عنه ذات اليمين وذات الشمال، وبقيت معه الفئة التي خرجت معه من المدينة، وكانت خطوة الإمام بتوضيح الأمور أمرا في غاية النبل والشرف، ومن جهة ثانية فإنه يريد أن يصحبه فقط أولئك الذين يريدون مواساته والموت معه (1)، وخلصهم الإمام من أي شعور محتمل بالحرج عندما قال لهم:
" فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام " (2). ثم إن القوم قد اتبعوه أصلا طمعا بالغنائم والمغانم المرتقبة، وعلى تقدير أن الإمام سيكون هو الغالب، وستكون أموال المغلوبين غنيمة لمن سارعوا بالانضمام للإمام، وفكرة نصرة الحق، ومحاربة الباطل ما هي إلا تغطية لأهداف المرتزقة، والمرتزقة على استعداد أن ينقضوا على من يقع ويأكلونه وينهبونه، فليس للمرتزقة دين ولا أخلاق ولا مبادئ، ألم تر أن جيش الخليفة قد استباح مدينة الرسول، ونهب أموالها، وهتك أعراضها، وأخذ البيعة ممن تبقى من سكان المدينة على أنهم أقنان وعبيد لأمير المؤمنين يتصرف بهم تصرف المالك بعبيده، إنها أخلاق المرتزقة نفسهم الذين انضموا للإمام الحسين عند مروره أو توقفه عند محطات رحلة الشهادة، حتى إذا قدر المرتزقة أن الإمام لن يغلب انفضوا من حوله، وتركوه وحيدا!!!، وهكذا عندما عرفوا حاجته للعون والنصرة وشاهدوا بأم أعينهم ابن النبي وآل النبي وأهل بيته وذوي قرباه قاب قوسين أو أدنى من الموت، تركوهم للموت وخذلوهم مع سبق الإصرار.
ويلاحظ أيضا أن الإمام الحسين قد أبتلي بطائفة من الوعاظ الذين لا يجيدون إلا الوعظ، ولو أن أولئك الوعاظ قد التحقوا بالإمام الحسين وواسوه