كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ٢٤٨
حقيقة الموقف، لأن أهل بيت النبوة لا يخدعون، ولا يطلبون النصر بأي وسيلة، إنما يلزمون أنفسهم بالوضوح وبالوسائل الشرعية، وأحاط الإمام الجموع التي التحقت به علما بأنهم مقبلون على ضرب السيوف، وحد الأسنة، فلما عرفت تلك الجموع بأن الكفة راجحة مع بني أمية، وأنه لا أمل لها بالمغانم، انفضت من حول الإمام وتفرقت عنه ذات اليمين وذات الشمال، وبقيت معه الفئة التي خرجت معه من المدينة، وكانت خطوة الإمام بتوضيح الأمور أمرا في غاية النبل والشرف، ومن جهة ثانية فإنه يريد أن يصحبه فقط أولئك الذين يريدون مواساته والموت معه (1)، وخلصهم الإمام من أي شعور محتمل بالحرج عندما قال لهم:
" فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام " (2). ثم إن القوم قد اتبعوه أصلا طمعا بالغنائم والمغانم المرتقبة، وعلى تقدير أن الإمام سيكون هو الغالب، وستكون أموال المغلوبين غنيمة لمن سارعوا بالانضمام للإمام، وفكرة نصرة الحق، ومحاربة الباطل ما هي إلا تغطية لأهداف المرتزقة، والمرتزقة على استعداد أن ينقضوا على من يقع ويأكلونه وينهبونه، فليس للمرتزقة دين ولا أخلاق ولا مبادئ، ألم تر أن جيش الخليفة قد استباح مدينة الرسول، ونهب أموالها، وهتك أعراضها، وأخذ البيعة ممن تبقى من سكان المدينة على أنهم أقنان وعبيد لأمير المؤمنين يتصرف بهم تصرف المالك بعبيده، إنها أخلاق المرتزقة نفسهم الذين انضموا للإمام الحسين عند مروره أو توقفه عند محطات رحلة الشهادة، حتى إذا قدر المرتزقة أن الإمام لن يغلب انفضوا من حوله، وتركوه وحيدا!!!، وهكذا عندما عرفوا حاجته للعون والنصرة وشاهدوا بأم أعينهم ابن النبي وآل النبي وأهل بيته وذوي قرباه قاب قوسين أو أدنى من الموت، تركوهم للموت وخذلوهم مع سبق الإصرار.
ويلاحظ أيضا أن الإمام الحسين قد أبتلي بطائفة من الوعاظ الذين لا يجيدون إلا الوعظ، ولو أن أولئك الوعاظ قد التحقوا بالإمام الحسين وواسوه

(١) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٣٠٣، والإرشاد للمفيد ص ٢٢٣، والبداية والنهاية ج ٨ ص ١٨٢، وبحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٧٤.
(2) راجع المراجع السابقة نفسها.
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327