منازل الآخرة والمطالب الفاخرة - الشيخ عباس القمي - الصفحة ٢٦٢
وكأني انظر إلى أهل النار فيها معذبون يصطرخون.
وكأني أسمع الآن زفير النار يعزفون في مسامعي (1).
قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: هذا عبد نور الله قلبه للإيمان.
ثم قال: الزم ما أنت عليه.
قال: فقال له الشاب: يا رسول الله! ادع الله لي أن ارزق الشهادة معك.
فدعا له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك.
فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) فاستشهد بعد تسعة نفر، وكان هو العاشر (2).

(١) في الكافي بدل (يعزفون في مسامعي) (يدور في مسامعي).
(٢) رواه الكليني (رضي الله عنه) في الكافي: ج ٢، ص ٥٣، ح ٢ ورواه البرقي في المحاسن: ص ٢٥٠، ح ٢٦٥ (كتاب مصابيح الظلم من المحاسن)، باب ٢٩. ونقله المجلسي في البحار: ج ٢٢، ص ١٤٦، ح ١٣٩، عن (نوادر الراوندي)، وفي ج ٦٧، ص ٢٩٩، ح ٢٥، وفي ج ٦٧، ص ٣١٣، ح ٤٦، وفي ج ٧٠. وراجع معاني الأخبار للصدوق: ص ١٨٧، باب معنى الاسلام والإيمان، وفي ج ٥. ص ١٥٩، ح ١٧ وفي ج ٧٠، ص ١٧٤، ح ٣٠.
ولا يكاد ينقضي عجبي من قوم دخلاء على أحاديث بيت العصمة والطهارة يتجرؤون ويتجاسرون على أهل البيت (عليهم السلام)، وهم يدعون انهم من شيعتهم فينسبون لأهل البيت (عليهم السلام) ما يعجبهم من الأخبار ويروون عنهم مالا يفهمون ولا يفقهون، وكأنهم أولياء عليهم لا أولياء لهم. أعاذنا الله تعالى من أقوالهم. وعليه فيصححون بعض الأخبار بحسب عقولهم وسليقتهم، وينفون غيرها بذلك، كما عمل ذلك بعض من علق على بحار العلامة المجلسي أعلى الله تعالى مقامه فهم:
أولا: لا يعرفون ان السند إذا صح كان حجة على العباد لأن خبر الثقة حجة.
وإن لم يصح لا يجوز رده لاحتمال أن يكون قد صدر عن أهل البيت (عليهم السلام) فيكون ردا عليهم كما ورد في الخبر الشريف عن الإمام الباقر (عليه السلام) الذي رواه الكليني في الكافي الشريف في باب الكتمان عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (والله ان أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا وان أسوأهم عندي حالا وأمقتهم الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يعقله اشمأز منه وجحده، وكفر من دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند، فيكون بذلك خارجا من ولايتنا).
وفي البصائر روى الشيخ الثقة محمد بن الحسين الصفار بإسناده عن أحدهما (عليهم السلام) قال: (لا تكذبوا بحديث اتاكم به أحد فإنكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبوا الله فوق عرشه).
والروايات في هذا المعنى قد بلغت استفاضتها حد التواتر.
وثانيا: ان الدين لا يقاس بعقول الرجال كما ورد في الأخبار المستفيضة إن لم يدع التواتر على النهي بالعمل بالرأي والقياس والاستحسان حتى صار ذلك من ضروريات المذهب كما ادعاه كثير من الأساطين أهل التحقيق، وهو الصحيح، فمنها ما رواه المفيد بإسناد صحيح عن زرارة بن أعين قال: قال لي أبو جعفر بن علي (عليهم السلام): يا زرارة إياك وأصحاب القياس في الدين، فإنهم تركوا علم ما وكلوا به، وتكلفوا ما قد كفوه، يتأولون الأخبار ويكذبون على الله عز وجل...) " الوسائل: كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب ٦، ح ٤٣ ".
وفي رواية عبد الرحمان بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) قال: (.. إياك عن خصلتين تهلك فيهما الرجال: أن تدين بشئ من رأيك، أو تفتي الناس بغير علم " الوسائل كتاب القضاء:
أبواب صفات القاضي، باب ٤، ح ٢٩.
وانما أوجب الأئمة (عليهم السلام) الرجوع إليهم والعمل برواياتهم وقد بحث علماؤنا ذلك في علوم خاصة.
وثالثا: بطلان حجة أولئك الذين لم يفهموا شيئا من الأخبار، وإليك المثال هذا، حيث علق على هذا الحديث الشريف بقوله:
(الظاهر أن هذا الحديث من سفاسف المتصوفة المتزهدة، خصوصا بملاحظة ما في بعضها انه كان في المسجد يخفق ويهوي برأسه، فإنه من شعار المتصوفة).
هامش البحار: ج ٧٠، ص ١٧٥، ١٧٦.
ويجاب عليه - ولو اني لا أرى حاجة للجواب لولا تكرر هذه الخزعبلات منه في عدة مواضع من الكتاب الشريف - بعدة أجوبة منها:
أولا: متى كان الخفق من شعار المتصوفة؟ وفي أي كتاب يوجد هذا الشعار؟!
وهو أمر طبيعي لمن يقضي ليله بالعبادة وسهر التهجد أن تخفق عينه بالنهار.
نعم الذين لم يعرفوا التهجد، ولم يرزقوا احياء الليل في العبادة، يعتبرون ذلك أمرا غريبا.
وثانيا: ما هو تحديد معنى الصوفي؟ فهل أن كل عابد زاهد فهو صوفي في رأيه؟ أم ان الصوفية مذهب خاص له أفكاره وآراؤه ونظرياته في الوجود والواجب والمعاد والسير إلى الله تعالى والسلوك إليه، والوسيلة إليه وغير ذلك.
وهل أن كل ما عند الصوفية فهو قبيح سئ غير مقبول، حتى لو كان السهر في العبادة.
انه لأمر غريب من أولئك الدخلاء. ولكن الأعجب منه ما يفعله بعض التجار بطبع تلك الخزعبلات وترويجها. والله تعالى هو المنجي الخلق من جهل الجاهلين وانتحال الضالين.
وثالثا: أليست تلك الحقائق التي ذكرها الشاب العارف مذكورة في خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في أوصاف المتقين؟
وإليك الخطبة لتعرف مطابقتها لمضامين الخبر:
(فالمتقون فيها هم أهل الفضائل. منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم. ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم.
نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء. ولولا الأجل الذي كتب لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب، وخوفا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون. قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة.
صبروا أياما قصيرة أعقبتهم راحة طويلة، تجارة مربحة يسرها لهم ربهم. أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها. أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلعت نفوسهم إليها شوقا، وظنوا انها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم واكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم يطلبون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم.
وأما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء، قد برأهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، ويقول قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم، لا يرضون من أعمالهم إلا القليل ولا يستكثرون الكثير... الخطبة الشريفة).
ورابعا: هل يحق لكل أحد أن يستظهر ما يشاء كيف يشاء وما يشاء كما يذهب إليه ذلك القائل دون أن يحاسب عن الدليل والسبب.
ان الاستظهار (وهو أن يقول القائل: الظاهر، والأظهر وما شابهها من العبارات) لابد وأن يكون مبتنيا على أساس علمي ودليل منطقي.
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 265 266 267 268 269 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الإهداء 5
2 مقدمة التحقيق والتعريب 7
3 حول موضوع الكتاب 11
4 حياة المؤلف (قدس سره) 43
5 مقدمة المؤلف (قدس سره) 101
6 أول المنازل: الموت وفيه عقبتان: العقبة الأولى: سكرات الموت وشدة نزع الروح 107
7 الأشياء التي تهون سكرات الموت 109
8 العقبة الثانية: العديلة عند الموت 115
9 الأمور النافعة لهذه العقبة 116
10 ذكر حكايتين مناسبتين 121
11 لطيفة 124
12 من منازل الآخرة المهولة: القبر وفيه عقبات: العقبة الأولى: وحشة القبر 128
13 العقبة الثانية: ضغطة القبر 137
14 المنجيات من ضغطة القبر 141
15 العقبة الثالثة: مسألة منكر ونكير 150
16 ذكر حكايات 155
17 من المنازل المهولة: البرزخ الآية، وبعض الروايات الواردة فيه 161
18 كلام من العلامة المجلسي (قدس سره) 163
19 ذكر عدة حكايات نافعة من المنامات الصادقة 165
20 من منازل الآخرة المهولة: القيامة وصف القيامة 179
21 بعض الأمور التي تنجي من شدائد القيامة 184
22 ساعة خروج الإنسان من قبره الآيات والروايات 194
23 ذكر بعض الأخبار في أحوال بعض الأشخاص عند خروجهم من قبورهم 195
24 بعض الأمور النافعة لهذه الساعة 197
25 ختم ذكره حتم 199
26 موقف الميزان الآيات 201
27 الأخبار في فضل الصلوات 202
28 روايات في حسن الخلق 206
29 حكايات في حسن الخلق 210
30 موقف الحساب الآيات والأخبار 219
31 حكايتان مناسبتان 221
32 موقف نشر الصحف الآيات والروايات 225
33 التبرك بذكر رواية نقلها السيد ابن طاووس 228
34 من موارد الآخرة المهولة: الصراط وصف الصراط 233
35 أسماء عقبات الصراط 236
36 حكاية 238
37 ذكر عدة أعمال لتسهيل المرور على الصراط 239
38 خاتمة ذكر عدة أخبار في شدة عذاب جهنم 243
39 جملة من قصص الخائفين 249
40 ذكر بعض الأمثال لتنبه المؤمنين 265
41 ختم الرسالة بدعائين شريفين 286
42 من تكاليف العباد في زمن الغيبة: الدعاء لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف 287
43 ملحق للمترجم ذكر عدة أخبار في وصف الجنة ونعيمها 291